كل ما أحتاجه شبان قرية عزموط قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية يوم الجمعة الماضي لحشد المتظاهرين ضد التوسع الدائم لمستوطنة «آلون موريه» على أراضي القرية هو إعلان صغير على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك». وبعد صلاة الجمعة، تجمع شبان القرية وتوجهوا صوب أرضهم التي أحلتها المستوطنون وزرعوها بالأشجار. وفي العديد من المواقع الأخرى في الضفة الغربية، جرت في اليوم ذاته مسيرات وتظاهرات مماثلة ضد الاستيطان والجدار، مثل قرى وبلدات النبي صالح وسلواد والمعصرة وبلعين ونعلين والخضر والعروب وبيت أمر وغيرها. وفي الحالات المختلفة، كان موقع «فايسبوك» هو الوسيلة الأولى للدعوة والاتصال والتعبئة والتنظيم لهذه التظاهرات. وتشير دراسات أخيرة أجراها خبراء إعلام إلى أن الغالبية العظمى من الشباب في فلسطين يستخدمون «فايسبوك». وبيّنت دراسة جديدة أجراها باحث في دائرة الصحافة والإعلام في جامعة النجاح الوطنية في نابلس أن 1.2 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يستخدمون «فايسبوك»، علماً أن عدد سكانها يبلغ 4 ملايين نسمة. وفي حال احتساب كبار السن والأطفال، فهذا يعني أن الغالبية العظمى من الشباب يستخدمون موقع التواصل الاجتماعي هذا. والمجتمع الفلسطيني مجتمع فتي، إذ أن أعمار 65 في المئة منه تقل عن ثلاثين عاماً، وفق ما تبيّن دراسات الجهاز المركزي للإحصاء. وبيّنت دراسة أجريت أخيراً في دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت أن 75 في المئة من طلاب الجامعة علموا عن قضية صاحب أطول إضراب عن الطعام الأسير سامر العيساوي عبر «فايسبوك» وليس عبر وسائل الإعلام المحلية. وقال هؤلاء الطلاب إنهم علموا عن أحداث التضامن مع الأسير العيساوي عبر الموقع، وتجاوبوا معها. ويختار الناشطون في العديد من التجمعات الفلسطينية نهار الجمعة من كل أسبوع للتظاهر والاحتجاج ضد الاستيطان. وتزايدت المواقع التي تشارك في هذه التظاهرات أخيراً بصورة لافتة، واتخذ بعضها أشكالاً جديدة، مثل إقامة قرى رمزية على الأراضي التي صادرتها إسرائيل لغرض إقامة مستوطنات عليها. وجاءت هذه التظاهرات رداً على تسارع وتيرة الاستيطان في السنوات الأخيرة على يد حكومة اليمين في إسرائيل بقيادة بنيامين نتانياهو التي أقرت مئات مشاريع التوسع الاستيطاني في المستوطنات القائمة في قلب الضفة وأطرافها، وفي مدينة القدس على السواء. وفقد غالبية الفلسطينيين الأمل في إمكان إقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967 نتيجة الحقائق الاستيطانية الراسخة والمتزايدة على أراضيهم يوماً بعد يوم، وفق ما تظهره استطلاعات الرأي وتصريحات السياسيين. ولا يخفي كثير من الفلسطينيين، بمن فيهم الإسلاميون، عدم حماستهم للرد على التوسع الاستيطاني بالعمل العسكري خشية تكرار تجربة الانتفاضة السابقة التي استخدمتها إسرائيل ذريعة لقتل الآلاف وتدمير البيوت والبنية التحتية، وفرض القيود الشديدة على الحركة والتنقل في الأراضي الفلسطينية. وما زال بعض الحواجز العسكرية التي أقامتها إسرائيل خلال سنوات الانتفاضة الثانية لإعاقة حركة المواطنين، قائماً حتى اليوم. ويفضل كثير من الفلسطينيين اللجوء إلى المقاومة الشعبية للرد على هذه الممارسات بهدف الحد من حجم الأضرار الناجمة عن الرد الإسرائيلي الذي يتسم بالبطش الشديد. وقال أحد قادة الحركة الشعبية الدكتور مصطفى البرغوثي ل «الحياة»: «نحن متجهون إلى انتفاضة جديدة تقوم على المقاومة الشعبية»، مضيفاً: «لا يمكن لانتفاضة أن تكون نسخة عن السابقة، والانتفاضة المقبلة هي انتفاضة شعبية ضد الاستيطان الذي ينهب الأرض». ورأى أن هناك ثلاثة عوامل تدفع الفلسطينيين في الضفة نحو انتفاضة شعبية ثالثة، هي: التسارع في البناء الاستيطاني وممارسات المستوطنين العدوانية، وفشل العملية السلمية وانغلاق أفقها، وتردي الأوضاع الاقتصادية في فلسطين». وشجعت الأشكال الجديدة من المقاومة الشعبية أعداداً أكبر من المواطنين، خصوصاً الشبيبة، على الالتحاق بها، مثل إقامة القرى على الأراضي المصادرة. واعتبر البرغوثي أن «النجاحات الصغيرة التي تحققها المقاومة الشعبية ستتراكم وصولاً إلى النجاح الأكبر المتمثل في تصاعد العملية برمتها».