تفنن الشباب المغربي العاطل من العمل والحامل الشهادات العليا في ابتكار أساليب احتجاجية تندد بظاهرة «الموظفين الأشباح». ونجح هؤلاء في شد الانتباه إليهم عبر مسيرة شهدتها الرباط في الأول من أيار (مايو) ضمن ما وصف «المعركة النضالية» بعدما أطلقت مجموعة كبيرة من الشباب منذ حوالى سنتين صفحة فايسبوكية تحمل شعار «طرد الأشباح ناهبي المال العام كفيل بتشغيلنا». وتهدف تلك الحملة إلى مقاومة التشغيل المشبوه في الإدارات والمؤسسات العمومية والهيئات المنتخبة، والتي تراعي المحسوبيات والوساطات وليس الكفاءة لتوظيف أشخاص وهميين يتقاضون رواتب ولا يعملون. ولكن، على رغم هذه المبادرات الاحتجاجية ومحاولة الجهات المعنية، جرد عدد من الموظفين والمستخدمين الأشباح، بهدف فصلهم وعزلهم من «مناصبهم المالية»، إلا أن هذه المحاولات لم تسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة وفعالة تضع حداً للظاهرة. وفي الوقت الذي يشهد المغرب، تزايد عدد العاطلين من العمل في شكل مضطرد سنوياً، خصوصاً في أوساط خريجي الجامعات وحتى بعض المدارس العليا، تتفاقم في المقابل ظاهرة الموظفين الأشباح التي تنخر مرافق الإدارة العامة. ووفق مذكرة مندوبية التخطيط حول سوق العمل للفصل الأول من 2013 فإن من بين مليون و77 ألف عاطل من العمل في المغرب، هناك ما يقارب اثنين من بين ثلاثة (65.5 في المئة) تفوق مدة بطالتهم السنة. والحاصلون على شهادات منهم يشكلون 16.5 في المئة. في المقابل، ينخرط هؤلاء الموظفون الأشباح في مشاريع تجارية ومهن أخرى تدر عليهم دخلاً مزدوحاً، كما لجأ بعضهم أخيراً إلى مصحات طبية خاصة للحصول على شهادات طبية تبرر غيابهم المتكرر عن وظائفهم الذي يطول شهوراً أحياناً، وتجنبهم قرارات الفصل. ولم تفلح المقتضيات القانونية الرادعة في التصدي لهذه الظاهرة في ظل اعتراف الحكومة بعدم وجود دراسة دقيقة لحجم «الموظفين الأشباح». ويقول محمد الإدريسى عضو إحدى المجموعات المعطلة المحتجة في الرباط: «لقد سبق لوزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، أن وقع على منشور لمطاردة أشباح الوظيفة الرسمية وغياب الموظفين الذين يناهزون 500 ألف وفقه، ويكلفون دافعي الضرائب كتلة أجرية (أجوراً ورواتب) تبلغ 98 بليون درهم، أي ما يعادل ثلث موازنة الحكومة، كما تعادل 11 في المئة من الناتج الداخلي الخام». ويضيف الإدريسي: «إلا أن مطالبتنا بحقنا في شكل مستمر وعبر الأشكال النضالية التي ننظمها في العاصمة ومطالبة الدولة بتنفيذ ما وقعته في محضر 20 تموز (يوليو) 2011 يحتم علينا إثارة موضوع الموظفين الأشباح ورصد خروقات الجهات الرسمية في التعامل مع ملف حاملي الشهادات المعطلين بالمغرب». واعتبر الناشط الحقوقي طارق السباعي أن ظاهرة الموظفين الأشباح مرتبطة ب «غياب الديموقراطية». ويقول: «عندما يقبل السياسيون الظاهرة باستفادة أتباعهم من مناصب وهمية يصبحون عاجزين عن معالجة الظاهرة وهذا هو التواطؤ المكشوف وفي ذلك أكبر خيانة للوطن. وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 7 من مدونة سلوك الموظف العمومي الملحقة باتفاقية الأممالمتحدة لمحاربة الفساد جاء ما يأتي: يمتنع الموظفون المكلفون إنفاذ القوانين عن ارتكاب أي فعل من أفعال إفساد الذمة، وعليهم أيضاً مواجهة جميع هذه الأفعال ومكافحتها بكل صرامة». وأضاف السباعي أنه عندما تدرك الحكومة والبرلمان على السواء أنهما يغذيان آلاف الموظفين الأشباح من أموال الشعب، وعندما يتحقق لهما العلم اليقين بأن ذلك فيه حرماناً للملايين من حقوقهم في العلاج والسكن اللائق والعمل فتلك هي «الخيانة العظمى وعدم الولاء للشعب الذي ائتمنهما على تسيير شؤونه». في المقابل يستعد عبدالعظيم كروج، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، للإعلان عن تنظيم مباريات لشغل مناصب شاغرة تعود إلى موظفين أشباح انقطعوا عن العمل منذ سنوات ومنهم من غادر البلاد وظل يتقاضى راتبه الشهري بانتظام. وتأتي هذه العملية بعدما سبقتها مبادرة إيقاف الأجور الشهرية لحوالى 522 موظفاً شبحاً، وذلك خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وفق ما أعلن عنه وزير في الحكومة خلال ترؤسه مهرجاناً خطابياً لنقابة تابعة لحزبه في الرباط لمناسبة عيد الشغل.