في ظل انسداد أفق الحوار مع الحكومة، تنوعت الأشكال النضالية لحاملي الشهادات العليا العاطلين من العمل في العاصمة المغربية الرباط. وبعد حرقهم مجسمات من الكرتون لرئيس الحكومة ووزراء آخرين، أقدموا أخيراً على تنظيم «تأبين» رمزي لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، حاملين «جنازته» في مسيرة جابت شارع محمد الخامس وسط العاصمة مروراً بالبرلمان وهم حفاة الأقدام. ثم عبروا مقبرة الشهداء وصولاً إلى البحر، حيث ألقوا النعش الرمزي، تنديداً بما سموهُ سياسة «الآذان الصماء» التي تنتهجها الحكومة بزعامة الحزب الإسلامي في التعاطي مع ملفهم، وبغيةَ إثارة الرأي العام بعد قضائهم عامين كاملين في الشوارع. واستنكر العاطلون من العمل ما سموه «وحشية التدخل»، الذي يأتي في سياق «عزم الحكومة على فرض قرارها عدم التوظيف المباشر بالقوة»، فيما أعلن المحتجون تهديدهم رئيس الحكومة ب «تصعيد نضالاتهم الميدانية بشكل غير مسبوق حتى نيل حقهم في الوظيفة العمومية». وحمّل الشباب الحكومة مسؤولية «ما قد تؤول إليه الأوضاع في حال استمرارها في تجاهل مطالب المعطلين التي لا تتجاوز أن تكون مطالب اجتماعية محضة». وقدم حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، من جهته، خريطة طريق تحت عنوان «جهاد الكرامة»، وذلك للخروج بالبلاد من نفق الأزمة وفق بيان للجنة المركزية للحزب. ويرى الاستقلاليون أن الحكومة بمقدورها إحداث أربعين ألف فرصة عمل في إطار الخدمة المدنية، موزعة بين عشرة آلاف وظيفة لفائدة حاملي الماجستير، وثلاثين ألفاً لحاملي الإجازة. ونبه الاستقلاليون حكومة بنكيران عبر «جهاد الكرامة»، المستوحى من فكر زعيمهم علال الفاسي، إلى ضرورة إحداث ما سمي «الهيئة الوطنية للمصالحة مع رجال المال والأعمال»، بغرض إعادة الثقة إلى مناخ الاستثمار، مقترحين على الحكومة التحلي بالإرادة والشجاعة السياسية، لتخصيص نحو 41 مليار درهم مغربي لقطاع التشغيل. وأعلن الاتحاد العام لمقاولات المغرب أخيراً عن تدابير استعجالية جديدة لمحاربة البطالة وسط فئة الشباب، والتي وصلت إلى مستويات قياسية خلال السنة الماضية، ناهزت 26.3 في المئة بين حاملي الشهادات. وتشمل التدابير الجديدة خمسة مقترحات لعل أفضلها اقتراح جمال بلحرش، رئيس لجنة التشغيل والعلاقات الاجتماعية بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، والذي يقضي ب «إحداث عقد جديد للإدماج المهني يضمن فترة تجريبية لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد من أجل تمكين المرشحين من الحصول على عمل أول، وتمكين المقاولات من الاستجابة لمتطلباتها في مجال الكفاءات عبر تكوين يلائم طلبات المرشحين مع المناصب الشاغرة». وتتضمن هذه الإجراءات، وفق ما قاله بلحرش في لقاء إعلامي، «تعميم التغطية الاجتماعية والتأمين عن حوادث الشغل لتشمل جميع المدمجين، بغية منح هؤلاء وضعية حقيقية كمستخدمين وعدم اعتبارهم مجرد متدربين، وإحداث عقد للكفاءات يستهدف طالبي الشغل، ويتضمن مساراً تكوينياً على مدى ستة أشهر يمول من طرف الدولة، يشمل تكويناً معرفياً وآخر لغوياً وثالثاً في مجال المعلوماتية، إلى جانب تمكينهم من تدريب لمدة ستة أشهر بعد التكوين، مع منحهم تعويضاً معفياً من التحملات الاجتماعية». وتقترح هذه التدابير أيضاً منح التدريب صفة الإجبارية طيلة المسار التعليمي والجامعي، سواء بالنسبة إلى الطلبة أم الأساتذة، إلى جانب تشكيل مرصد للتكوين والتشغيل وريادة الأعمال، بغية قيادة وتتبع مسار تطور الحاجات، وتقديم الاقتراحات من أجل التشجيع على إحداث مناصب الشغل. في المقابل، يوضح سعيد الشعبي أحد الشباب العاطلين والمشاركين في الاحتجاجات، أن الاختلالات التي يعرفها القطاع الخاص في المغرب على جميع المستويات والأصعدة، تجعل من فئة حاملي الشهادات الجامعية العليا المعطلين، وخاصة منهم المجازين، من أكبر الرافضين بقبول حل القطاع الخاص كبديل من الوظيفة الرسمية، وهم في ذلك محقون، لأسباب يعلمها الجميع وشخصتها النقابات العمالية واعترفت بها التقارير الرسمية.