قال رئيس الحكومة الأردنية عبد الله النسور إن الوضع السوري «تعقد كثيراً، خصوصاً بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق»، وإن المساعي الخصوصاً بعدم تدويل الصراع السوري «خرجت عن النطاق»، مؤكداً أن بلاده باتت تخشى تدخلاً عسكرياً ضد سورية، وإمكان تقسيمها إلى دويلات مذهبية متصارعة. وأضاف النسور في حوار أجرته معه «الحياة» أمس أن عناصر كثيرة «دخلت على خط الأزمة السورية في الأيام الماضية، ولم يعد الوضع كما كان عليه قبل أسبوعين». وكشف عن اتصالات بين مسؤولين أردنيين وسوريين على مستويات مختلفة، قائلاً إن السفارة الأردنية «ما زالت قائمة في دمشق والسورية كذلك في عمان... لكن الاتصالات بيننا ليست على مستوى القمة أو الحكومات». وفي الشأن الداخلي، قال رئيس الحكومة إن ثمة أصابع خارجية «نعرفها وندركها جيداً تحاول العبث بأمن الأردن، لكنها لن تستطيع»، لافتاً إلى استئذانه العاهل الأردني لإجراء تعديل وزاري يضمن إشراك النواب في حكومته، خلال الفترة المقبلة. وهنا نص الحوار: كيف تنظرون إلى تطورات الملف السوري، خصوصاً بعد زيارة الملك عبد الله الثاني الأخيرة إلى واشنطن والاقتراحات التي ناقشها في هذا الخصوص مع الرئيس باراك أوباما؟ - يبدو أن الوضع تعقد كثيراً حتى بعد زيارة الملك الأخيرة إلى واشنطن. لقد دخلت عناصر كثيرة على خط الأزمة، ولم يعد الوضع كما كان عليه قبل أسبوعين. الهجمات العسكرية الإسرائيلية على دمشق مثلت دخول عنصر جديد. وثمة هجوم رسمي معلن على المنشآت السورية. نستطيع القول أن مساعي عدم تدويل الصراع السوري بدأت تخرج عن النطاق، لا بل إن الوضع بات في طريقه فعلاً إلى التدويل. خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها الملك إلى واشنطن أكدنا موقف الأردن الداعي لإيجاد حل سلمي، يؤّمن انتقال السلطة بصورة سلسة. لسنا مع الحل العسكري مطلقاً. تصفية أحد الطرفين للآخر ستكون مكلفة جداً، خصوصاً على دول الجوار، وهو ما لا نسعى إليه. لكن هل ما زال الباب موارباً أمام الحل السلمي؟ - حتماً لا يزال الباب موارباً أمام حل يفضي إلى إيقاف دوامة العنف ومسلسل القتل والنزوح. بعض الذين رافقوا العاهل الأردني خلال زيارته واشنطن أكد أن الملك دفع باتجاه مزيد من الضغط على الرئيس بشار الأسد للتنحي قبل نهاية العام، وأن الباب سيكون مفتوحاً لتسليح المعارضة وتدريبها إذا ما رفض الاستجابة للضغوط، كيف تقيمون هذا الخيار؟ - في الحقيقة نحن لا نسلح المعارضة ولا ندرب عناصرها. ليس لدي معلومات محددة عن الخيارات المتوقعة قبل نهاية العام، كما لا أستطيع التحدث عن سيناريوات الإدارة الأميركية، ولا يستطيع أحد التنبؤ بما سيحدث. لكننا نأمل، كما يأمل الكثيرون، بأن لا يمتد الصراع حتى نهاية السنة. ومع ذلك، نرى أن معضلة سورية قد تطول، كما نخشى إمكان تقسيمها لدويلات مذهبية متصارعة، وهو السيناريو الأخطر بالنسبة إلى الأردن. هل تخشون احتمال التدخل العسكري؟ وما حقيقة وجود قوات أجنبية على الأراضي الأردنية؟ - نعم، لقد بدأنا نخشى إمكان هذا التدخل. ودليل ذلك ما قامت به إسرائيل قبل أيام. أما عن وجود قوات أجنبية على الأراضي الأردنية، فالكل يعلم أن بيننا وبين الولاياتالمتحدة علاقات استراتيجية قديمة ليست متعلقة بالشأن السوري. تسليحنا على سبيل المثال يأتي عبر الولاياتالمتحدة، وآلة الحرب الحديثة تحتاج لمدربين، وبعض هؤلاء موجودون للتدريب على الوقاية من خطر الحرب الكيماوية إن حدثت. وهذا لا يعني أبداً أن لدينا قوات أجنبية مقاتلة. وهل ثمة اتصالات سياسية أو أمنية بينكم وبين النظام السوري؟ - السفارة الأردنية ما زالت قائمة في دمشق والسورية كذلك في عمان، وبالتالي فإن العلاقات مستمرة. وأي دولتين متلاصقتين يكون بينهما اتصالات على مستويات مختلفة، لكن الاتصالات بيننا ليست على مستوى القمة أو الحكومات. لكن ماذا تريدون من هذه الاتصالات؟ - نريد أن تبقى حدودنا مع سورية هادئة، لا يتدخلون بشؤوننا ولا نتدخل بشؤونهم. وكيف تفسرون اتهامات الأسد التي قال فيها إنكم تفتحون الحدود أمام الإسلاميين المتشددين؟ - الرئيس بشار يعلم جيداً أن الأردن لا يسمح بدخول إسلاميين متشددين إلى سورية. لقد أعلنا خلال الفترة الماضية اعتقال أعداد منهم أودعوا السجون، كما حكم بعضهم بالسجن لفترات تتراوح بين 4 و5 سنوات. الجميع يعلم أن المتشددين المزعوم إرسالهم يشكلون خطراً علينا قبل أن يشكلوه على دمشق. لقد كنا ضد دخولهم العراق، واليوم نؤكد أننا ضد دخولهم سورية، وبالضرورة ضد دخولهم المملكة العربية السعودية، التي تربطنا بها حدود ضخمة. تحدث الملك عبد الله مراراً عن خطر الخلايا السورية النائمة داخل المدن الأردنية، كيف تواجهونها؟ وهل هناك أرقام دقيقة عن الأعداد التي تم ضبطها من قبل الأجهزة المختصة؟ - تعرفون أن الأردن استقبل خلال العامين الماضيين نحو 540 ألف لاجئ سوري، عاد منهم قرابة 40 ألفاً في شكل طوعي. بالضرورة أن هذه الأرقام تدفعنا لمزيد من التحوط تجاه ما يعرف بالخلايا. وهنا لا نتحدث عن مجاميع كبيرة، وإنما أعداد قليلة لا تمثل قوة يعتد بها. لقد ألقينا القبض على بعض العناصر، وتعاملنا معها وفقاً لقانون العقوبات الأردني. وكيف تنظرون إلى فشل مجلس الأمن في تلبية ندائكم بإرسال بعثة دولية للأردن لمعرفة أوضاع اللاجئين عن كثب؟ - لقد تفاجأنا مما جرى في هذا الخصوص. النداء الأردني كان يهدف إلى معاينة الأوضاع الإنسانية الصعبة لمئات آلاف اللاجئين، لكن موقف بعض الدول الكبرى دائمة العضوية بدا غريباً تجاه النداء. ويبدو أن حدة الاستقطاب بين أعضاء المجلس وصلت إلى درجة تجعل البعض لا يفتح عينيه على الحقائق هنغاريادة والقضايا العادلة. الجميع يعرف أن عدد سكان الأردن، الذي يعاني أزمة اقتصادية حادة، يقارب 6 ملايين نسمة، واليوم نستضيف مليون وربع مليون سوري غالبيتهم دخل المملكة عقب تدهور الأوضاع في بلدهم. لقد تعرضنا لخذلان العالم. المساعدات الدولية الموجهة للاجئين شحيحة، لا بل إنها في أقل حدودها. والسؤال ماذا كانت ستفعل روسيا على سبيل المثال، التي يصل عدد سكانها إلى نحو 160 مليون نسمة، لو دخل إليها على نحو مفاجئ قرابة 40 مليون لاجئ؟ هل كانت ستقف مكتوفة الأيدي أم أنها كانت ستلجأ لمجلس الأمن كما فعلنا. تسرب خلال الفترة الماضية أنكم تسعون لإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لتخفيف عبء اللاجئين، ما هو ردكم؟ - نؤكد أننا لا نطالب بمنطقة حظر جوي، لكن ما الذي يمنع بقاء اللاجئين السوريين في منطقة آمنة داخل سورية، وأن تكون هذه المنطقة محمية دولياً، وتحت إشراف الأممالمتحدة، من حيث توفير المتطلبات التي يحتاج إليها الفارون؟ لقد تحدثنا مع بعض دول الإقليم في هذا الشأن، وننتظر ما ستفضي إليه المداولات. لنذهب غير بعيد عن سورية، كيف تتابعون النزاعات المذهبية التي يشهدها العراق حالياً، وهل تخشون أن تصل انعكاساتها إلى حدودكم الشرقية مع العراق؟ - بالطبع نخشى هذه الانعكاسات. حدودنا الشرقية مع العراق كبيرة ومهمة، ويعنينا أن تبقى سلسة وسالكة، وأن لا تتعرض للقطع أبداً. العراق هو الآخر يهتم بذلك أيضاً، لأنه يعلم كيف هو وضع حدوده الشمالية مع تركيا، وحدوده الغربية مع سورية، ناهيك عن حدوده الجنوبية الغربية مع الجزيرة العربية. قيل أن لديكم اتصالات مع عشائر غرب العراق السنية لتهدئة الأجواء بينهم وبين حكومة نوري المالكي، ما صحة هذه المعلومات؟ - لا أبداً، غير صحيح. لم يطلب أحد منا ذلك، ونحن لا نطلب مثل هذا الدور. سياستنا الواضحة تقوم على عدم التدخل بشؤون الغير. لننتقل قليلاً إلى الشأن الداخلي، ثمة من يرى أن الإصلاح الحقيقي والشامل بات خياراً مؤجلاً لدى الدولة الأردنية، بانتظار تموضع الإقليم وما سيسفر عنه الحدث السوري؟ - غير صحيح على الإطلاق. نحن نرى أن تأجيل الإصلاح الشامل له آثار وخيمة، وهو أشبه بالشخص المريض، الذي يؤجل تناول الدواء. الإصلاحات الدستورية في الأردن ماضية ومستمرة، ولا نية أبداً لتوقيفها أو تجميدها. ونؤكد أن تحقيق هذه الإصلاحات سيعود بالخير العميم على المملكة. لكن كيف تفسرون العنف الجامعي الأخير، الذي سرعان ما تحول إلى عنف عشائري راح ضحيته مواطنون أبرياء؟ - هذا العنف له جذور اجتماعية واقتصادية وسياسية، ناهيك أنه يعبر عن ضيق العيش والبطالة، إلى جانب التنافس على الفرص. علينا أن نعترف بأن ثمة خللاً لدى السلطة المركزية للدولة، وهو خلل لا تخطئه العين ولا يجب أن ننكره. وبالتالي علينا مخاطبة الأساسيات التي أحدثته، ومواجهته بحزم لا يلين. لكن أريد أن أقول شيئاً آخر في هذا الخصوص: ثمة أياد خارجية تحاول أن تعبث بأمن الأردن، لا أقول أن أيادي مدت للجامعات أو لجامعة الحسين التي شهدت أحداث العنف الأخير، لكننا نرى وقوداً وتأزيماً، من أجل إحلال الفوضى. من هي الأيادي التي تشيرون إليها؟ - أياد نعرفها وندركها جيداً، لكننا لن نسمح لها بالتدخل في شؤوننا تحت أي ظرف. وماذا عن التعديل الوزاري الذي وعدتم بإجرائه عقب نيلكم ثقة البرلمان، هل ثمة عدد محدد للحقائب التي ستخضع للتعديل؟ - عدد الحقائب المستهدف أمر متروك للتفاوض مع الكتل النيابية، ونأمل أن نجري تعديلاً قريباً. هل هناك موعد محدد لإجراء التعديل؟ أسبوع أو شهر مثلاً؟ - لقد وعدت البرلمان أن أستشير الملك، واستأذنته في إجراء التعديل المناسب. قد يتطلب ذلك أياماً وربما أسابيع.