تملك الثقافة العربية حيوية، لكن أمامها معوقات تمنعها من تحقيق قفزات نوعية في المواجهة والاستجابة للتحدي. وتتصل هذه المعوقات بنظم الحكم أياً كانت (السلطات والمؤسسات والأحزاب)، وبالإمكانات المادية المتاحة والمطلوبة وبوسائل الاتصال بالناس وبالقدرة على الوصول إليهم. وتعاني الثقافة العربية، بكل صورها، من أساتذة ولغة وكتب وكلام وصحافة وإعلام ومنتديات ومكتبات، من عوامل إضعاف داخلية وليس من ضعف، ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها نوع الخطاب العربي المستمر، الذي يحتاج إلى تجديد، حتى يكون أكثر علمية، وأكثر توفيراً للمعلوماتية وتواصلاً معها، ليتحول الخطاب الثقافي إلى خطاب أكثر موضوعية وأقل إنشائية، وأكثر قدرة على التركيز والتأثير والإقناع بموضوعية ورؤية علمية. إن أمامنا سؤال هو سؤال الحرية، وهو ذاته سؤال الحقوق، والحقوق لا تحفظ إلا من خلال القوانين والأنظمة الرادعة، بعد توفير الاحتياجات المادية الأساسية للإنسان. ومن ثم، في أبعد شيء عن الفوضى المزعومة، بل هي ضمانة ضد فوضى غياب تشريعات الحقوق. فالمثقف في وطننا العربي كائن بشري عادي، وهو بالتأكيد ليس من كوكب آخر، بل من الذين رضعوا منذ الصّغر تربويات الثقافة العربية نفسها التي أصبحنا نحفظها عن ظهر قدم لا قلب. فما نراه هو أن «مهنة الثقافة» في الوطن العربي ليست مفروزة بشكل واضح، وتعاني من التباسات، سواء تعلّق الأمر بالدولة أو أي سلطة أو فئة أو زمرة تقوم مقام هيكلية معينة. فالمثقف العربي لم يحقق حتى الآن، القاعدة التي يمكنه أن يرتكز إليها، كقوة اجتماعية فاعلة، أو كضمانة سياسية. وعلى رغم انهماكاته الكوميدية بشجون ما بعد الحداثة، يعيش كفرد استثنائي في سياقه الاجتماعي، ويخضع رغما عنه للمعايير الشعبية العامة، وهذا ما يفسر حال التصدّع النفسي التي عاشها مثقفون تخلّوا عن مواقفهم المعلنة وقبلوا بمناصب انتهت بانتحار عقلي أو نفسي أو سياسي بطيء. وقد لا يعرف معظم المثقفين العرب أو المدرجة أسماؤهم في قوائم اتحادات وروابط الكتّاب ونقاباتهم زملاءهم الذين عفّوا عن مثل هذه المناصب، وذلك لسببين: أولهما رواقية هؤلاء الزملاء وتعفّفهم عن السّجال حول ما يمكن تسميته تسعيرتهم السياسية. وثانيهما حال التباعد القصوى بين المثقفين على رغم توهمهم بالتقارب عبر الإنترنت والفايسبوك. خلاصة الحكاية أن هناك من يقترضون من المناصب، مقابل من يخسرون لأنها تقترض منهم، وما من مثقف عربي يُعرض عليه منصب له جاذبية من الجاه السياسي والنفوذ الاجتماعي إلا ويعيش حالاً من الصراع قد تنتهي بالقبول الذي يعقبه ندم فوري، وقد ينتهي بالزواج الذي لا مفر فيه أمام الزوجة إلا العودة إلى بيت الطاعة! وبالعودة إلى سؤال الحرية الذي لا ينفصل عن سؤال الكرامة، لأن انتهاك الحرية، أو تقليصها بتهميش بعض لوازمها، من عدل ومساواة وغيرهما، يعني أن هناك إهداراً متعمداً للكرامة، واعتداء صريحاً على الحقوق الأساسية للإنسان.