ليلة متخمة بالتكريمات والاحتفالات والكلمات «ناصر ستايل»، وتلاها نهار مليء بالمسيرات والاحتجاجات والفعاليات «ناصر ستايل» أيضاً. مشوار طويل وأسابيع قليلة قطعها الرئيس محمد مرسي من مرحلة «وما أدراكم ما الستينات» إلى عيد العمال الذي أحياه بكثير من التبجيل والتذكير بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر حتى بات لسان حاله «ناصر لم يمت وبيننا 90 مليون ناصر». مشوار ناصر الذي جاء مرسي ليكمله طويل ومضن، وهو الذي استهله استهلالاً رومانسياً مفعماً بالقبلات التي طبعها لفظياً على أيادي عمال مصر المنتجين، وضمنه وعوداً محلقة في الفضاء عن حقوق عمالية آتية لا محالة، وتغييراً في التشريعات حادثاً من دون شك، والتزاماً بالعدالة مُنتظراً بفارغ الصبر، وكلله الرئيس بإعلان عنتري عن منحة عيد العمال ليست خمسة ولا عشرة ولا 15 ولا 20 في المئة بل 50 في المئة، وهو ما رفع سقف التهليل من التأكيد والتوكيد على أن «مرسي مرسي هو الريس» إلى آفاق «بنحبك يا مرسي» و «ربنا ينصرك يا ريس». ورغم تأكيد رئيس اتحاد العمال الرسمي أن «هذا العيد ليس للهتافات والتصفيق، ولكنه لتقديم حلول لمشاكل العمال»، إلا أن العمال الذين تم اختيارهم لحضور الاحتفاليتين مساء أول من أمس في مجمع الحديد والصلب وقصر القبة اختاروا الهتاف والتصفيق والتكبير والتهليل. وعلى مرمى حجر من الاحتفال العمالي داخل قصر القبة، كان تهليل وهتاف وصيحات أخرى تجري على قدم وساق في السيارات وشتى أنواع المركبات التي تخمت بها الإشارات وأنَّت تحت وطأة تكدسها الحارات الجانبية التي حاول بعضهم أن يسلكها هرباً من الشلل المروري الذي أصاب مربع القصر وما حوله من دوائر ومثلثات ضربت أرجاء مصر الجديدة. «مصر الجديدة» التي وعدت بها «ثورة يناير» تجسدت في شكل آخر بعيداً من هتافات الحب وقبلات الود وتكبيرات الحمد التي تعدت حدود قصر القبة لتصدح في جنبات الفضاء العنكبوتي الذي امتلأ تهليلاً لروعة «الرئيس مرسي» وعظمة «تواضعه» وبلاغة كلماته حتى تلك التي أكد فيها «احترام مبدأ فصل السلطات، ولكن ليس بمعنى الانفصال بين السلطات». ويبدو أن عيد العمال في مصر هذا العام وجد صعوبة شديدة ليس فقط في الفصل - أو الانفصال - بين السلطات، ولكن في الفصل بين محبي عبدالناصر الآتين من طرفي النقيض. فإذا كانت روح عبدالناصر رفرفت في قصر القبة وسيرته استُحضرت في حلوان، فإن صوره وقيمه رفعت في شوارع وميادين القاهرة التي خرجت في احتجاجات عمالية لم تسكرها علاوة ال50 في المئة أو تزعزعها وعود العدالة الاجتماعية. «العدالة الاجتماعية عاوزة ثورة عمالية» و «واحد اثنين أهداف الثورة فين؟»، هكذا هتف العمال الذي لم يتم استدعاؤهم للاحتفالين الرئاسيين. الهتافات التي هتف بها عمال مصر ومعهم تيارات سياسية متعددة شملت الجميع باستثناء الأحزاب والجماعات الدينية الحاكمة ومحبيها أكملت الصورة العمالية المصرية بعد عامين من الثورة. وبعد عامين من الثورة تنقل الشاشات التلفزيونية صورتين متناقضتين متضادتين لعمال مصر. فعلى الشاشات الصديقة للجماعة - الرسمي منها والعربي - هتف عمال مصر مهللين للرئيس مؤكدين حبهم الجم وعزمهم العتيد على العمل والإنتاج وتحويل مصر إلى جنة الله على أرضه بسواعدهم. لكن هذه السواعد ظهرت على شاشات أخرى وهي تتوعد وتنذر بغضبة عمالية فائقة إن استمر رغيف الخبز على حاله والأوضاع المتدنية على ما هي عليها من لجلجة. لكن اللجلجلة نالت من كلمات الرئيس حين تناول القمح، إذ قال وسط اندهاش الحاضرين والمشاهدين: «القمح مش عاوز صوامع تتخزن... القمح عاوز صوامع تتخزن.. تخزن، القمح مش عايز صوامع»، وهو ما دفع الخبثاء إلى التكهن بأن «القمح والصوامع دو نوت ميكس». وجاء «الميكس» (المزج) الحقيقي في حديث الرئيس مجدداً، وذلك عبر كلماته المؤثرة عن أنه «لابد من أن ننتج غذاءنا وسلاحنا ودواءنا، والعامل المصري هو أساس هذا الإنتاج. الاكتفاء من القمح لا يكفي وحده من دون صناعة بسواعد مصرية». المزج بين الزراعة والصناعة أبى أن يمر مرور الكرام من دون أن يستدعي بعضهم شعار الأحزاب الشيوعية «المنجل والمطرقة» اللذين يرمزان إلى الزراعة والصناعة. ورغم شفافية الاستدعاء الرمزي والمعنوي، إلا أن الكل يعلم أن الجماعة والشيوعية «دو نوت ميكس» أو لا يمتزجان، حتى وإن امتزجا على غير ميعاد في عيد العمال.