لا يترتب قطع الحوار مع طهران على إخفاق جولة المفاوضات الاخيرة بينها وبين القوى الغربية وروسيا والصين. ويبدو ان المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين وشيكة. وفي خطوة غير مسبوقة تطيح ما هو محظور منذ 3 عقود، رفع المرشد الاعلى علي خامنئي، القيود عن المفاوضات المباشرة مع «الشيطان الأكبر». ففي خطابه الأخير لمناسبة العام الفارسي الجديد، أعلن رأس الهرم في النظام الايراني أن بلاده لا تعلق الآمال على المفاوضات (في كازاخستان مع مجموعة 5+1). ولا يخفى ان الخيارات أمامه نفدت، والجمهورية الاسلامية تلفظ انفاسها وتختنق على وقع تشديد العقوبات الاقتصادية والتلويح الاسرائيلي بضربها. وترى. وواشنطن لا تعارض الاتصالات المباشرة بإيران. ويدور الكلام على اجتماعات عقدت اخيراً بين الجانبين. وفي وقت اول، ستُقصر المحادثات على صغار المسؤولين. ويطالب الايرانيون بأن تدور على 3 محاور: الملف النووي، والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والقضايا الاقليمية والمصالح المشتركة الاميركية – الايرانية في افغانستان وسورية والخليج. والحال أن خامنئي لم يطح حظر التفاوض مع أميركا بضربة واحدة. ففي مطلع العام المنصرم، حظر المرشد على المسؤولين الايرانيين الاتصال بنظرائهم الاميركيين. ومن غير جلبة، رفع الحظر هذا خلال اجتماع مجلس الأمن في ايلول (سبتمبر) الماضي. ومكث الوفد الايراني في الولاياتالمتحدة اسبوعين، وعقد علاقات سرية مع ممثلي وزارة الخارجية الاميركية. وقبل أشهر من الاجتماع هذا، أنشأ المرشد مركز أبحاث سياسية لدرس نتائج المفاوضات مع «العدو الاميركي». وسعى خامنئي الى إخماد الحماسة النووية العسكرية، فاستعاد فتوى تحظر السلاح الذري مذكّراً الايرانيين بأن بلاده لا ترمي الى مثل هذا السلاح وكأنه يُعدّهم، وهم متخمون بالخطاب المعادي لأميركا، لتخلي الجمهورية الاسلامية عن طموحاتها النووية. فهو يُخرج خطوته تخريجاً يحافظ على ماء الوجه لدى مباشرة الحوار مع أميركا. ويبدو أن المرشد خطا هذه الخطوة، إثر إدراكه انه امام طريق مسدود. فالوضع الاقتصادي كارثي في ايران، والعقوبات تنزل ضربات مؤلمة بالاقتصاد، وجعبة النظام تنضب من السيولة. وعلى رغم ان النظام يحصل على عائدات بيع النفط البالغة 30 - 40 بليون دولار، لا يسعه التصرف بنحو 120 بليون دولار مجمدة في الخارج بسبب العقوبات. ويوم تُرفع العقوبات، يمكن طهران استعادة ثرواتها وحق الاستدانة في السوق الدولية. و «فك تجميد الاموال في الخارج هو صنو نسمة عليلة تنعش الجمهورية الاسلامية في وقت قد ينفجر غضب مواطنيها في أي دقيقة فتملأ التظاهرات الشارع»، يقول خبير ايراني مقيم في طهران. وقوّض سيف الحرب الاهلية المسلّط على الحليف الإيراني، أي على نظام الأسد، نفوذ طهران. لذا، تسعى الى التفاوض مع الولاياتالمتحدة التي تحتاج الى مساعدتها لتنظيم عملية انسحاب قواتها من افغانستان العام المقبل، مثلما تعاونت معها في العراق عام 2011. ونسّق الاميركيون وراء الابواب المغلقة مع ممثلي طهران في بغداد عملية انسحاب قواتهم من العراق. واليوم، خسرت سورية مكانتها الاستراتيجية في ميزان الحسابات الايرانية. ف»حزب الله» رسخ نفوذه في لبنان، واستقل لوجيستياً ومالياً عن النظام السوري. «والايرانيون على أهبة الاستعداد للمفاوضة على رأس الأسد حين تحين اللحظة المناسبة. والمسألة هي مسألة تحديد ثمن التخلي عنه»، يقول معارض سوري. لكن درب الاتصالات الثنائية لا يزال طويلاً قبل أن يبلغ غايته: إبرام إتفاق إيراني- أميركي. ولا يرغب المرشد في «انبعاث دفء العلاقات... بل غاية ما يريد هو اتفاقات «دقيقة» و»جراحية» لا تستفز أجنحة النظام الراديكالية». ولا يسهل قرب موعد الانتخابات الرئاسية الايرانية في 14 حزيران (يونيو) المقبل انعقاد ثمار التقارب هذا. لكن «فرصة الديبلوماسية قد تنقضي إذا لم تُقتنص في اللحظة المناسبة، ولن تبقى سانحة الى الأبد»، ينبّه مسؤولون في واشنطن. * صحافي، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 24/4/2013، إعداد منال نحاس