أكد رئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري في حديث أجرته معه «الحياة» أن الأردن يفضل خيار التدرج في إنهاء نظام الرئيس بشار الأسد، معتبراً أن بلاده تستعد لبدائل عدة حال فشل الدعوات الرامية لإيجاد حل سلمي ينهي دوامة العنف لدى جارتها الشمالية، وأن الحدود الأردنية - السورية مرشحة لتطورات كبيرة خلال الأيام المقبلة. وقال المصري، وهو أردني يتحدر من أصول فلسطينية، وسبق أن عمل وزيراً للخارجية في حكومات سابقة، وتولى رئاسة الحكومة عام 1991، ورئاسة البرلمان عام 1993، إن الملك عبدالله «متمسك بضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة السورية، ويحبذ حلاً وسطياً يضمن إنهاء النظام تدريجاً خشية انهيار الدولة، والوقوع بالفوضى، وخطر التقسيم». وأضاف أن الخيار الأردني «يصطدم بحائط سميك، خصوصاً أن أطرافاً مؤثرة داخل المعارضة تتحصن بالرفض، والحال ذاتها بالنسبة إلى النظام». ورفض المصري الرد على اتهامات وجهها الأسد أخيراً إلى الأردن قال فيها إن عمان «تسهل دخول آلاف المقاتلين إلى بلدنا»، كما نفى موافقة العاصمة على فتح أجوائها أمام الطيران الإسرائيلي لاستطلاع مواقع إستراتيجية داخل سورية، تمهيداً لضربها. وقال إن الأيام المقبلة «مرشحة لحدوث تطورات كبيرة على حدودنا مع سورية، وعلينا الاستعداد جيداً، وتحضير البدائل، في حال استُنفد الحل السلمي». كما عبر عن خشيته من احتمال توجه نظام الأسد إلى تكثيف هجماته على جنوب سورية المحاذي للأردن، مضيفاً أن «أي إجراءات عسكرية غير مألوفة ستكون لها ارتدادات خطرة على المملكة، كما ستدفع باتجاه موجات لجوء كبيرة، وهو ما قد يزيد الأمر تعقيداً». واعتبر المصري أن استمرار الصراع في سورية، وبروز مظاهر الانقسامات العرقية والدينية داخل المدن، سيدفع باتجاه انتقالها إلى دول الجوار، مؤكداً أن هذه المظاهر «من شأنها أن تهدد المصلحة الأردنية العليا، وتعرّض المملكة لخطر الحريق السوري». وعند سؤاله عن وجود قوات أجنبية على الأراضي الأردنية، وانخراط بلاده بتدريب قوات المعارضة السورية، أجاب: «أعرف أن هناك خبراء غربيين يترددون على المملكة باستمرار لبحث كيفية احتواء خطر الأسلحة الكيماوية السورية، هذا ما أعرفه فقط». وكان الأردن أقر قبل أيام بتوجهه إلى استقبال جنود أميركيين، لكنه شدد على ثبات موقفه الرافض أي تدخل عسكري في سورية، والداعي إلى حل سياسي شامل. وعن إمكان إقامة منطقة عازلة جنوب سورية قرب الحدود الأردنية، قال المصري: «لقد طرحت هذه الفكرة داخل أوساط القرار الأردني، وتبيّن أنها غير عملية في مثل هذه الظروف ... إقامة المنطقة العازلة تحتاج إلى دخول الأراضي السورية، وفرض تطهير وحماية للمنطقة المستهدفة أرضاً وجواً، ثم نقل مخيمات اللجوء الأردنية إليها، وهذا أمر مستبعد حالياً لأسباب يطول شرحها». وكانت الحكومة الأردنية أعلنت في وقت سابق أنها تدرس خيار مدينة درعا، وهي الأكبر على مستوى مدن الجنوب السوري، لاختبار إمكان احتضانها المنطقة المذكورة. وتحدث المصري عن زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة أخيراً، مشيراً إلى أن واشنطن باتت تميل إلى إعلان جنيف الذي يتضمن إطاراً لحل سلمي للأزمة السورية. وينص الإعلان على تأليف حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية، ويتم اختيارها بموافقة السلطة والمعارضة السوريتين. وحض الملك أثناء زيارته أميركا الأسبوع الماضي إدارة باراك أوباما على تكثيف الجهود الرامية لإيجاد تسوية سياسية للصراع السوري، معتبراً أن جارته الشمالية تتجه، كما يبدو وعلى نحو متزايد، نحو الفوضى أو التفكك الذي يمكن أن يهدد المنطقة لعقود مقبلة. وفي الشأن المحلي الأردني، قال المصري إن «هنالك قوى ظلامية (لم يسمها) تبحث عن مصالحها بعيداً عن هموم الشعب الأردني، وتسعى إلى القتل والذبح». وأضاف أنها «قوى فوضوية موجودة على الأرض، تروج للإقليمية، وتفتيت الوحدة الوطنية، (في بلد يعتبر نحو نصف سكانه من أصول فلسطينية) وللاشتباك والفوضى، إضافة إلى مفاهيم ضيقة». وفي شأن الحديث عن «مخاطر» تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، قال إن «فكرة الوطن البديل ليس لها وجود على أرض الواقع، فالأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين». وتابع: «يبدو أن هناك أصحاب أجندات مشبوهة (لم يسمهم أيضاً)، يحاولون الإيقاع بين المكونين الأردني والفلسطيني». وعن الأنباء التي تحدثت أخيراً عن التحضير لكونفيديرالية مقبلة بين فلسطين «الدولة الجديدة» وبين المملكة، قال المصري إن «موقفنا في الأردن واضح يعرفه الجميع ... لن نتحدث عن هكذا خيار قبل أن تعلن دولة فلسطين دولة مستقلة، وتدخل إلى الأممالمتحدة». وزاد: «أعتقد أن أي اتفاق وحدوي لن يتم إذا ما بقي الملف الفلسطيني هلامياً غير محدد المعالم». وعن علاقة الدولة الأردنية بجماعة «الإخوان المسلمين»، كبرى الجماعات المعارضة في البلاد، اعتبر المصري أن «الحال كما هي لم تتغير منذ فترة، فالمواقف متباعدة، ولا اتصالات أو تقدم في العلاقة»، مفضلاً عدم الخوض في تفاصيلها. لكنه لفت إلى أن الحراك الأردني الذي دخل عامه الثالث، «أفرز إصلاحات لا يستهان بها»، قائلاً: «ننتظر المزيد، لكن بأسلوب سلمي متدرج يحفظ للوطن أمنه وسلامته واستقراره». يذكر أن الأردن يشهد منذ ما يزيد عن عامين تظاهرات سلمية ينظمها إسلاميون وعلمانيون وشخصيات عشائرية تستلهم انتفاضات الربيع العربي، لكنها تركز على إصلاح الحكومة والحد من صلاحيات الملك بدل إطاحته.