صادق مجلس الأمن بالإجماع على قرار يتعلق بنزاع الصحراء. وإذ يتحدث المجلس بصوت واحد إزاء ضرورات إيجاد حل سياسي، من خلال خيار استئناف المفاوضات وبلورة معالم تصور وفاقي تقبله الأطراف كافة، فإنه بات يضع في الاعتبار أن نزاعاً منسياً مثل قضية الصحراء، يمكن أن يطفو على السطح في شكل تهديدات خطرة للأمن والاستقرار، بخاصة في ظل تنامي التحديات الأمنية في منطقة الساحل. لكنه يتمنى على دول الجوار الانخراط في جهود التسوية، ما يتماشى وفكرة الحل الإقليمي لنزاع لم يعد ثنائياً بكل المقاييس. ليست المرة الأولى التي يشير فيها صناع القرار الدولي إلى مسؤولية دول الجوار في الدفع بمسلسل المفاوضات، لكن الطلب الذي كان يقتصر على تشجيعهم على ذلك، أصبح مقترناً اليوم بتحديات أكبر لا يمكن تطويقها من دون قيام وفاق مغاربي، أقله في الحد من تنامي التوتر وبناء جبهة موحدة تنطلق من رؤية شمولية لتفاعلات الأحداث في منطقة الساحل. ولو لم يكن الأمن الأوروبي رهن الفضاء الجنوبي للبحر المتوسط وامتداداته الإفريقية، لما تدخلت فرنسا عسكرياً في مالي، أو بصيغة أخرى لما حظي تدخلها بدعم أوروبي ودولي هائل. ولو لم تكن منطقة الشمال الإفريقي مدرجة ضمن التصور الإستراتيجي الشامل لمفهوم الشرق الأوسط الكبير الذي لا يكتمل منظوره من دون الشمال الأفريقي، لما أبدت واشنطن كل الاهتمام بقضية الصحراء. وأعاد موقف الرباط الحاسم إزاء مسودة الاقتراح الأميركي في شأن توسيع مهمات «مينورسو» لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء، أعاد الإدارة الأميركية إلى رجاحة الصداقة التي من دونها لن تفلح أي ضغوط أو جهود في ضمان ما تعتبره واشنطن مصالح إستراتيجية دائمة. وهذا الشوط من النزال كان أقرب إلى حوار العقل واستقراء المصالح أكثر من أي شيء آخر، لذلك كان طبيعياً أن يتوج بالتفهم والتفاهم. بيد أن الجولة التي انتهت إلى تكريس الصيغة المتداولة لإنهاء نزاع الصحراء وفق الحل السياسي، لا يمكن أن تتجاهل وجود لاجئين خارج ديارهم يعانون معاناة لاإنسانية في مخيمات تندوف. ومن هنا تبرز أهمية دعوة مجلس الأمن إلى إحصاء سكان المخيمات، كون العملية تشكل بداية الانتقال إلى تأمين العودة الطوعية، فقد دلت التجربة التي ترعاها مفوضية اللاجئين لناحية تكثيف تبادل الزيارات، أن بناء الثقة الحقيقية لا يتم عبر مكوث الأشخاص المتحدرين من أصول صحراوية بضعة أيام في المحافظات الصحراوية أو مخيمات تندوف، بل في تأمين العودة التي تضمن لهم أن يكونوا أحراراً في الوطن الذي يوحد الأهل ولا يفرق بينهم. من هذا المنطلق تأتي أهمية مبادرة الحكم الذاتي التي تضع شعار لا غالب ولا مغلوب أساساً لمضمونها الرامي إلى جمع الشمل وتمكين سكان المحافظات الصحراوية من آليات متقدمة لتدبير شؤونهم المحلية بأنفسهم، عبر اختيار ديموقراطي سليم. لا مكان فيه لأي ضغوط أو إكراهات. وإذ تعلن الرباط أن هذه المبادرة مفتوحة، فإن ذلك يفيد أنها قابلة لأي تعديل إيجابي. بخاصة وأن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وصفتها ب «الجدية والصدقية والواقعية». إنها تشكل منتصف الطريق بين الضم النهائي أو الاستقلال النهائي. وليس أنجع من حل وفاقي سلمي، عادل و دائم، بدل الاستمرار في عناد الأمر الواقع. لقد ذهب وزير الخارجية الإسباني أنخيل موراتينوس إلى القول إن التقاء الفوسفات المغربي والغاز الجزائري من شأنهما خلق ثورة زراعية واقتصادية في منطقة الشمال الإفريقي. والحال أن تضافر الجهود السياسية بين المغرب والجزائر، إن وضعت في الاعتبار إنجاز المشروع المغاربي، سيسهل تقريب وجهات النظر المتباعدة. الأوروبيون الذين كانوا يفاخرون بصلابة بنياتهم الاقتصادية والمالية، صاروا يتطلعون إلى الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وبأقل قدر من التفاهم يمكن تحويل الحوض المتوسط إلى بحيرة نماء ورخاء. آنذاك لن تكون سياسة أي دولة أسيرة حسابات صراعات جانبية. لكن لا بد من إذابة الخلافات السياسية في مشروعات اقتصادية كبرى. ولا يمكن هذه المشروعات أن تنتعش وتكون قابلة للحياة مع استمرار التوتر وغياب الاستقرار. ونزاع الصحراء ليس أكثر من عائق يتضرر منه الجميع.