في تصعيد أميركي واضح ضد النظام السوري، أكدت واشنطن أمس في رسائل موجهة من البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، ان نظام الرئيس بشار الأسد «استخدم السلاح الكيماوي، وتحديداً غاز السارين وفي حالتين»، على حد قول وزير الخارجية جون كيري. واذ اعتبر البيت الأبيض أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة وأن الخطط الطارئة يتم اعدادها، أكد ضرورة «الوصول الى حقائق ثابتة وذات صدقية» قبل اتخاذ أي قرار «يتناسب مع المصالح الأميركية». وجاء الموقف الأميركي في أسبوع هيمنت فيه الازمة السورية على اجتماعات الرئيس باراك أوباما مع قيادات اقليمية من قطر والامارات العربية المتحدة، واجتماعه اليوم مع الملك الأردني عبدالله الثاني. وأكد وزير الدفاع تشاك هاغل في مقابلات تلفزيونية أن واشنطن يمكنها القول «وبدرجات مختلفة من الثقة بأن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي وعلى نطاق محدود في سورية، وتحديداً عامل السارين»، ولمح هاغل الى أن تأكيد هذه التقارير «سيكون عاملاً يغير اللعبة بالنسبة الى الادارة الأميركية». كذلك نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن وزير الخارجية جون كيري تأكيده ان «النظام السوري شن اعتداءين بواسطة الأسلحة الكيماوية». وفي رسالة خطية تحمل دلالات عن تضمين الكونغرس الأميركي في أي خطط حول سورية، أكد البيت الأبيض في رسالتين الى كل من السناتور جون ماكين (جمهوري) والسناتور كارل ليفين (ديموقراطي) أن الاستخبارات الأميركية «تعتقد وبدرجات مختلفة من الثقة بأن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية على نطاق محدود في سورية، وتحديداً مادة السارين الكيماوية». وتضيف الرسالة أن الأدلة مستخلصة من «عينات مادية... والدليل يجب أن يستند على تقويم الاستخبارات في سعينا لبناء حقائق ذات صدقية»، مشيرة الى أن «سلسلة حيازة (السلاح) غير واضحة، ولا يمكننا تأكيد كيفية التعرض له وفي أي ظروف». وشددت رسالة البيت الأبيض الموقعة من مساعد أوباما ومدير الشوؤن التشريعية مايكل رودريغز أن واشنطن «تعتقد ان أي استخدام للسلاح الكيماوي في سورية مصدره على الغالب نظام الأسد... نحن نعتقد أن هذه الأسلحة بحوزة نظام الأسد الذي أظهر ارادة على تصعيد العنف الشنيع ضد الشعب السوري». وذكرت الرسالة بكلام أوباما الصيف الفائت وتأكيده «وبوضوح تام أن استخدام السلاح الكيماوي أو نقله الى مجموعة ارهابية خط أحمر بالنسبة الى الولاياتالمتحدة الأميركية». وأضافت أن الادارة نقلت هذه الرسالة «بشكل علني وخاص الى حكومات حول العالم بينها نظام الأسد». وشدد البيت الأبيض على أن «الرئيس (أوباما) يأخذ هذه القضية على محمل كبير من الجدية، وعلينا واجب التحقيق في اي أدلة حول استخدام السلاح الكيماوي داخل سورية». ولفتت الرسالة الى طلب واشنطن «تحقيقاً شاملاً من الأممالمتحدة يمكن أن يقوّم الأدلة ويحدد ما حصل»، وأكدت عمل واشنطن مع «أصدقائنا وحلفائنا والمعارضة السورية لتبادل ومشاركة معلومات اضافية حول استخدام السلاح الكيماوي ولكي نحدد الحقائق». وأوضحت الرسالة ان «ما هو على المحك وما تعلمناه من خبرتنا أخيراً (حرب العراق) من ان تقويمات الاستخبارات وحدها لا تكفي، فان الحقائق المثبتة وذات الصدقية التي تزودنا بدرجة من التأكد، هي فقط ستقود آلية صنع القرار وستعزز قيادتنا للمجتمع الدولي»، مؤكدة ان البيت الأبيض سيستشير الكونغرس عن كثب في هذه المسائل وانه في الوقت الراهن «ستعد الادارة كل الخطط الطارئة للرد بشكل مناسب على أي استخدام مؤكد للسلاح الكيماوي وبما يتناسب مع مصالحنا الوطنية». وشددت اخيراً على أن «لدى المجتمع الدولي ردوداً عدة محتملة، وما من خيار خارج الطاولة». وكان وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل كشف خلال زيارة الى ابو ظبي امس عن قناعة الولاياتالمتحدة باستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي، وقال ان «القرار للتوصل الى هذه النتيجة تم اتخاذه خلال الساعات ال24 الماضية». وفي رد على سؤال عما اذا كانت التقديرات الاستخباراتية تعني ان سورية تجاوزت «الخط الاحمر»، قال هاغل ان هذا سؤال يتعلق بالسياسة وان مهمته هي تقديم «الخيارات» للرئيس الاميركي. وأضاف ان استخدام العناصر الكيماوية «ينتهك كل ميثاق يتعلق بالحرب» وان مثل هذه الاسلحة هي «اسلحة قاتلة لا يمكن التحكم بها» يعتبر معظم القادة انها تقع «ضمن تصنيف مختلف». وانضمت بريطانيا الى الموقف الاميركي بإعلان وزارة خارجيتها ان لديها «ادلة محدودة ولكن مقنعة» باستخدام اسلحة كيماوية في سورية، بما في ذلك غاز السارين. وقال ناطق باسم الخارجية البريطانية «لدينا ادلة محدودة ولكن مقنعة من مصادر مختلفة تظهر استخدام اسلحة كيماوية في سورية بما فيها السارين». وأضاف: «هذه مسألة تثير القلق البالغ. استخدام الاسلحة الكيماوية جريمة حرب. لقد اطلعنا حلفاءنا وشركاءنا والامم المتحدة على هذه المعلومات ونعمل بشكل نشط للحصول على معلومات اكثر وافضل». وتحدثت انباء في وقت سابق عن ان علماء عسكريين بريطانيين درسوا عينات من التربة من منطقة مجاورة لدمشق وتوصلوا الى وجود آثار لأسلحة كيماوية فيها، رغم ان الحكومة البريطانية لم تؤكد ذلك. ميدانياً، فتح مقاتلو المعارضة جبهة في ريف حماة وسط البلاد، وسجلت اشتباكات عنيفة بينهم وبين القوات النظامية في حي طريق حلب، ما تسبب في مقتل خمسة معارضين وخمسة عناصر من القوات النظامية. وقال «المرصد السوري لحقوق الانسان» ان المجموعات المقاتلة المعارضة تمكنت من السيطرة على «مدرسة ناصح علواني في حي طريق حلب، التي تعد مركزاً لتجمع القوات النظامية، إثر اشتباكات عنيفة استمرت ساعات». وبث معارضون شريط فيديو يظهر احتراق عدد من الجنود النظاميين داخل عربة مدرعة بعدما استهدفها مقاتلو المعارضة. وفي دمشق، تعرضت مناطق في الغوطة الشرقية لقصف الطيران المروحي، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى، في وقت استمرت «الاشتباكات العنيفة» بين قوات النظام والمعارضة على الأطراف الشمالية لدمشق، بالتزامن مع قصف جوي على حي جوبر في طرفها الشرقي وعلى بلدة الجديدة في الغوطة الغربية. وقصف الطيران الحربي أطراف بلدة العبادة في الغوطة الشرقية مع «أنباء عن تقدم للقوات النظامية داخل أجزاء من البلدة»، وذلك بعدما سيطرت اول امس على بلدة العتيبة التي تعتبر مع العبادة خط امداد رئيسياً بين دمشق وباقي المناطق. وفي حمص وسط البلاد، قتل عشرة أشخاص في غارات للطيران الحربي على مدينة القصير، بعد أيام من استيلاء القوات النظامية على عدد من قرى ريف القصير متقدمة نحو المدينة التي تعتبر معقلاً لمقاتلي المعارضة، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وقتل أربعة مواطنين بينهم اثنان في سقوط قذائف هاون أطلقها مقاتلو المعارضة على بلدة نبل التي يقطنها مواطنون من الطائفة الشيعية، في ريف حلب في شمال البلاد. وفي بروكسيل (أ ف ب)، حذر منسق الاتحاد الاوروبي لمكافحة الارهاب جيل دو كيرشوف امس من ان توجه «المئات» من الشبان الاوروبيين الى سورية للقتال يشكل «تهديداً جدياً» لأمن الاتحاد الاوروبي. وقال دو كيرشوف امام لجنة تابعة للبرلمان الاوروبي ان «بضع مئات» من الاوروبيين موجودون في سورية استناداً الى المعلومات المقدمة من دول الاتحاد الاوروبي، وأوضح ان عدد المقاتلين الاجانب يصل الى «بضعة آلاف اذا اضيف اليهم القادمون من البلقان وشمال افريقيا». ووصف ب «التطور المقلق» انجذاب الشباب للتوجه الى سورية للقتال الى جانب المجموعات المعارضة لنظام بشار الاسد ومن بينها فصائل تابعة لتنظيمات متشددة مثل «القاعدة»، وقال ان بعضهم يتوجه الى هناك بدافع «الرومانسية» في حين ان الآخرين ناشطون «متشددون».