على رغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وصف أي استخدام للأسلحة الكيماوية في سورية بأنه «خط أحمر» أشار مسؤولون أميركيون إلى أنه من غير المرجح أن تتدخل واشنطن من دون دليل واضح على استخدام مثل هذه الأسلحة... وهو دليل قد يصعب الوصول إليه. وكان كبير المحللين في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قال في تل أبيب الثلثاء إن قوات الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيماوية، يرجح أنها تحوي غاز الأعصاب سارين، في معركتها مع مقاتلي المعارضة الذين يسعون إطاحة الرئيس بشار الأسد. واستشهد بصور لضحايا تظهر خروج رغوة من أفواههم وانكماش بؤبؤ العين وهي علامات على استخدام غاز قاتل. وجاءت المزاعم الإسرائيلية خلال زيارة تستمر أسبوعاً يقوم بها وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل إلى الشرق الأوسط. وهي تلي مخاوف مشابهة سبق أن عبرت عنها بريطانيا وفرنسا. لكن، يبدو حتى الآن أن مثل هذا التقويم يفتقر إلى الدليل المادي الذي تحتاجه واشنطن كي تتدخل بصورة أعمق في الصراع بسورية وهو الأمر الذي يقاومه أوباما. ويطرح هذا تساؤلات في شأن تفسير «خطه الأحمر». وتحدث جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض بحذر مع الصحافيين قائلاً «إن واشنطن تأخذ الاتهامات الإسرائيلية مأخذ الجد ولكنها تريد «أدلة قاطعة» قبل اتخاذ قرار في شأن ما إذا كانت ستمضي قدماً». وأضاف «لم نتوصل إلى نتيجة تثبت هذا الاستخدام... لكنه أمر يثير قلقاً كبيراً لدينا ولدى شركائنا وبالطبع غير مقبول مثلما أوضح الرئيس». وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير طلب عدم نشر اسمه إن التقويمات التي تقدمها حكومات أجنبية وتفتقر إلى مقدار الثقة المطلوب لا يمكن أن تكون أساساً لإجراء أميركي. ويبدو أن المسؤولين يقللون من شأن ما أورده ديبلوماسيون بريطانيون وفرنسيون من أدلة تتعلق باستخدام أسلحة كيماوية في رسالة إلى مكتب بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في 21 آذار (مارس). وأشار مسؤول في الإدارة الأميركية إلى أن هذه المعلومات اعتمدت على ما تواتر على الألسنة ومن طرف ثالث. وقال المسؤول الدفاعي «لم تتضمن الرسالة أدلة قاطعة باستخدام أسلحة كيماوية لكن، طلبت تحقيقاً من الأممالمتحدة في كل المزاعم المتعلقة باستخدام (هذه الأسلحة) في سورية». ومنع فريق من المختصين تابع للأمم المتحدة من الذهاب إلى سورية للتحقيق في المزاعم بسبب خلاف مع حكومة دمشق بخصوص دخولهم بعض المواقع. وخلال زيارة لإسرائيل الشهر الماضي قال أوباما عن التقارير التي ذكرت أن الحكومة السورية قد تكون استخدمت أسلحة كيماوية «أوضحت أننا متى توصلنا إلى الحقائق فسيكون استخدام الأسلحة الكيماوية بمثابة تغيير لقواعد اللعبة». وقال مصدر مقرب من صناعة القرار في البيت الأبيض في الآونة الأخيرة إن إصرار إدارة أوباما على تفادي إلزام نفسها بالتحرك من دون دليل قاطع ومن دون وجود دعم دولي يرجع في جانب منه إلى الدروس المستفادة من حرب العراق. وكانت إدارة الرئيس السابق جورج بوش اعتمدت على معلومات استخباراتية خاطئة لتبرير غزو العراق بسبب أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية تبين فيما بعد أن العراق لا يملكها. وذكر المصدر «لن تكون هناك عجلة في إصدار الحكم». وتحدث مسؤولون أميركيون وخبراء عن صعوبة التأكد من استخدام أسلحة كيماوية في سورية. وعلى سبيل المثل قال المسؤولون إن هناك عزوفاً عن إعطاء صدقية كبيرة للمعلومات التي ترددها المعارضة السورية عن استخدام الأسلحة الكيماوية نظراً إلى مصلحة المعارضة في تدخل واشنطن عسكرياً. ويقتصر الدعم الأميركي للمعارضة حتى الآن على الدعم غير العسكري في الأساس. وأعلن وزير الخارجية جون كيري منذ أيام عن حزمة جديدة من المساعدات غير العسكرية. إلا أن ذلك أقل بكثير مما يطلبه بعض أعضاء مجلس الشيوخ وحلفاء الولاياتالمتحدة مثل بريطانيا وفرنسا وقادة المعارضة السورية أنفسهم. وقد تواجه واشنطن مزيداً من الانتقادات إذا فشلت في تطبيق إنذار أوباما المتعلق بالأسلحة الكيماوية على الأسد الذي لا يزال متشبثاً بالسلطة على رغم الدعوات المتكررة له بالتنحي. وقال ريموند زيلينسكاس خبير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي التابع لمعهد مونتيري إن الصور التي التقطت لضحايا تخرج رغوة من أفواههم والتي استشهد بها المسؤول الإسرائيلي تظهر أعراضاً تتماشى مع استخدام غاز أعصاب مثل غاز السارين. إلا أنه تساءل عما إذا كانت الصور وحدها يمكن أن تثبت استخدام أسلحة كيماوية. وأضاف «الشيء الصعب هو أننا نحتاج في الحقيقة عينات». وقال إن آثار غاز السارين وغيره من غازات الأعصاب تبقى في عينات الدم والأنسجة لفترة وقد تبقى لفترة أطول في عينات الشهر «وهذا أشبه بسلاح يتبخر». ولم يتضح ما إذا كانت وكالات استخبارات غربية قد تمكنت، ربما بمساعدة مقاتلي المعارضة السورية، من جمع عينات بيولوجية أو من التربة من أماكن الهجمات التي تردد أنها وقعت الشهر الماضي. وحتى إذا تماشت الأدلة التي تثبت استخدام أسلحة كيماوية مع معايير واشنطن فإن أي إجراء أميركي قد يتأجل إلى أن يحاول محللو الاستخبارات معرفة نطاق استخدام مثل هذه الأسلحة حتى يتسنى تحديد الرد الأميركي. وبينما يجري وضع خطط طارئة يواجه المسؤولون الأميركيون تساؤلات منها هل ستتمكن القوات الأميركية من معرفة كل أماكن مخزونات الأسد وهل سيمكن تأمين هذه المواد داخل سورية في ظل الصراع المندلع أم سينبغي نقلها خارج البلاد. وربما كان من الأسئلة الصعبة كيف سيكون رد الفعل الإسرائيلي. وامتنع كارني عن الإجابة على سؤال عما إذا كان البيت الأبيض على علم بأن إسرائيل ستعلن ما أعلنته من اتهامات أمس الثلثاء وهل كان ذلك من الحكمة. وقال المصدر القريب من صنع القرار في البيت الأبيض إن إسرائيل ربما أعلنت الاتهامات لكي تبعث برسالة إلى الأسد مفادها أن جيشها على دراية بمخزون سورية من الأسلحة الكيماوية ولن يتردد في اتخاذ إجراء إذا اعتبر أن ذلك ضروري لتأمين الوضع.