بعد 30 سنة على إغلاقها، أعيد افتتاح دار سينما الأقصر في باريس، في أمسية شاركت فيها وزيرة الثقافة الفرنسية أوريلي فيليبيتي ورئيس بلدية باريس برتران دولانويه، وشخصيات فنية وأدبية. وتخلل الافتتاح عرض فيلم «المصير» للمخرج المصري يوسف شاهين الذي أطلق اسمه على إحدى القاعات الأثرية. شُيّدت السينما عام 1921، وتميزت بديكور فرعوني من الداخل والخارج. قدّمت أفلاماً فرنسية حتى مطلع ستينات القرن العشرين، ومن ثم راحت تعرض أفلاماً عربية وهندية، مكونة جمهوراً شعبياً مختلطاً بفضل تعدد جنسيات سكان الدائرة الثامنة عشرة التي تقع فيها. وفي تلك الفترة، اشتراها فابيان واقي صاحب سلسلة متاجر «تاتي» الباريسية الشعبية، إلا أنه لم يحسن إدارتها، لأن السينما ليست من اهتماماته أو أولوياته. في عام 1983، أغلق واقي قاعات السينما، وعرضها للبيع. فتقدمت بعض الشركات بعروض لشراء المبنى وتحويله إلى محال تجارية، بيد أن أهالي الحي شكلوا لجنة وأرسلوا عريضة إلى بلدية باريس، يحتجون فيها على تحويل المبنى الأثري إلى محل يبيع الطعام والشراب أو الملابس. اهتمت بلدية العاصمة بالموضوع، واتخذت إجراءً سريعاً يقضي بتصنيف السينما ضمن قائمة المباني الفرنسية الأثرية، وبذلك بات مستحيلاً المساس بالمبنى أو استغلاله لغير الغرض الذي شيد من أجله. اشترت البلدية المبنى من واقي، لكنها تجاهلت تجديده فبقي مغلقاً طوال 30 سنة. إلا أن دولانويه أراد إدراج حدث ثقافي مهم في قائمة منجزاته، فأصدر قراراً بترميم المبنى والحفاظ على هويته الفرعونية، واستعان بالمعماري الفرنسي فيليب بوامان وموازنة مقدارها 29 مليون يورو. واستخدم بوامان أعمال الزجاج والموازييك وديكورات ورسوماً تعيد الحياة إلى المبنى الأثري في قلب المدينة. ويتميز مجمّع العروض السينمائية الباريسي بواجهة كبيرة على شكل معابد مدينة الأقصر في جنوب مصر، مزيّنة برسوم فرعونية كتلك التي على جدران المعابد المصرية القديمة. وبات المبنى يضم ثلاث صالات للعرض مخصصة لأفلام شرقية وغربية، إضافة إلى تنظيم مهرجانات وندوات في حضور مخرجين وممثلين وكتاب سيناريو. ورائعة السينمائي الصيني وونغ كار واي «غراندماستر» هي أول الأعمال المعروضة في الدار، وهو فيلم يروي سيرة معلم الرياضات الآسيوية «إيب مان» الذي درب النجم الراحل بروس لي في مطلع حياته كبطل رياضي. وتحتضن إحدى القاعات الجديدة معرضاً يضم صوراً لمدينة الأقصر الأثرية حتى 25 من الشهر المقبل. ويوضح المدير الجديد للمبنى إيمانويل بابيون أن الهدف الأساس كان المحافظة على هوية سينما الأقصر، والعمل على جذب الجمهور الباريسي الأرستقراطي إلى جوار ذلك الشعبي المقيم في الدائرة الثامنة عشرة.