حدث استثنائي من نوعه عاشته جامعة «لا سوربون» الباريسية العريقة حين قررت بلدية باريس تحت رعاية رئيسها برتران دولانويه وبالاتفاق مع إدارة الجامعة، إقامة عدد محدود من سهرات الجاز الموسيقية الحية في أماكن باريسية عدة، من بينها فئة من النوادي والمسارح المتخصصة في تقديم العروض الفنية، ولكن أيضاً في القاعة الضخمة في «لا سوربون» المسمّاة «غران أنفيتياتر دو لا سوربون» والمجهزة لاستقبال مئات الطلاب على ثلاثة مستويات مرتفعة من أجل متابعة المحاضرات التي يلقيها الأساتذة. وهكذا تحولت القاعة ذات التاريخ الحافل بالأحداث الثقافية والعلمية إلى مسرح موقت رنت جدرانه بنغمات موسيقى الجاز التي عزفتها فرقة «بيغ باند ديدييه غوريه» في ثلاث سهرات. وكان العدد الأكبر من الحضور يدخل جامعة «لا سوربون» للمرة الأولى وفق الإحصاءات التي أجراها قسم العلاقات العامة التابع لها عن طريق استشارة كل من عبر المدخل حول الوسيلة الإعلامية التي أدت به إلى القدوم ومدى حبه لموسيقى الجاز، وأيضاً فضوله تجاه الجامعة. وانقسمت الردود إلى ثلاثة فواصل، فهناك طلاب الجامعة، ثم الذين ربحوا دعوات حضور إحدى السهرات عن طريق المشاركة في مسابقة أجرتها إذاعة «فرانس كولتور»، وأخيراً الذين إقتنوا بطاقاتهم بطريقة تقليدية في مكان بيع التذاكر إثر متابعتهم للأحداث الموسيقية الباريسية لمجرد أنهم يهوون الجاز ويسعون إلى حضور عروضه دورياً. والشيء الذي اتفق عليه كل هؤلاء تقريباً إذا استثنينا طلاب الجامعة، هو إبداء رغبة ماسة في العودة إلى جامعة «لا سوربون» ولكن في هذه المرة لزيارة قاعاتها ومكتبتها وأماكنها المختلفة التي تؤوي كنوزاً من الفن المعماري، إضافة إلى التراث الثقافي والعلمي الذي يميزها. واتضح أن الأمر ممكن لا سيما في شكل زيارات جماعية في أيام وساعات محددة من كل أسبوع وفق ما يسمح به جدول نشاطات الجامعة. حلبة رقص ونجحت فرقة «بيغ باند ديدييه غوريه» التي أحيت السهرات الثلاث في تحويل قاعة المحاضرات إلى مسرح موسيقي حقيقي شعر الحضور فيه برغبة ملحة في مغادرة المقاعد والرقص على أنغام الألحان الشهيرة المعزوفة، وفعل كثر ذلك وقوفاً أمام المقاعد نظراً إلى عدم وجود حلبة رقص في المكان. وفي سهرة الختام ألقى قائد الفرقة ديدييه غوريه كلمة إفتتاحية أعلن فيها تخصيص الحفلة في تلك العشية للموسيقى التصويرية التي إصطحبت فئة من أكبر الأفلام السينمائية العالمية المنتَجة بين 1934 و2012، مثل «تيتانيك» و «مهمة مستحيلة» و «من أجل حفنة من الدولارات» و «الخروج من أفريقيا»، ولحن أفلام جيمس بوند المميز وغيرها من موسيقى الأفلام الشعبية ذات الرواج الدولي. وفي الختام وبعدما طلب الحضور من الفرقة عزف بعض المقطوعات الإضافية، عبر غوريه عن مدى حبه لسينما أستاذ أفلام الإثارة والتشويق ألفريد هيتشكوك ومؤلف موسيقى أفلامه برنارد هرمان، وراحت الفرقة تعزف خليطاً من الألحان التي رافقت أفلام هيتشكوك من «الطيور» إلى «سايكو» مروراً ب «فيرتيغو» و «نافذة خلفية».