انهمك أبو خالد بمسح الحبر عن اصبعه لدى خروجه من مركز انتخابي في شارع أبو نواس، معبراً بابتسامة عريضة عن فرحته بيوم استثنائي، ليس بسبب انتخابات مجالس المحافظات وحدها، إنما أيضاً لخلوه من التفجيرات. وقال أبو خالد (55 سنة) بعدما استسلم للحبر الأزرق على اصبعه «لا طقطقة (أصوات تفجيرات) اليوم». وأضاف وهو يهم بالخروج من «ثانوية العقيدة» التي تضم 14 محطة انتخابية تشمل كل منها نحو 450 ناخباً مسجلاً «شاركت لأن هذه الانتخابات ضرورية حتى نعطي صوتنا لمن يخدم، لكن اسعد ما في اليوم هو غياب المفخخات». من شارع أبو نواس وصولاً إلى ساحة الحسنين على بعد نحو كيلومترين، خلت الطريق إلا من حواجز التفتيش التي أقيمت على مسافات متقاربة جداً، سعياً لتأمين أول انتخابات تتولاها القوات العراقية منذ الانسحاب الأميركي نهاية 2011. واستغلت مجموعات من الأطفال قرار منع السيارات من التجول في بغداد، عدا تلك التي تحمل رخصة خاصة باليوم الانتخابي، فافترشوا الطرقات والشوارع الرئيسية والفرعية وممارسة لعبة كرة القدم. وبدت لافتات المرشحين التي غالباً ما تحمل أخطاء إملائية، وتتميز بألوانها الفاقعة وصورها الضخمة، الحاضر الأكبر في العاصمة، حيث انتشرت في كل مكان وزاوية ممكنة. وأغلقت غالبية المحال التجارية أبوابها حتى بدت معها بغداد مدينة أشباح ليس فيها سوى بعض المشاة المتوجهين نحو مراكز الاقتراع، أو نحو مطاعم صغيرة تبيع الشاورما على طول الطريق الرابط بين الكرادة والجادرية. وعلى هذا الطريق، في ساحة الحسنين، تحلق ثلاثة زبائن حول طاولة على الرصيف وإلى يمينهم سيخ شاورما، وإلى يسارهم ثمانية عناصر من الشرطة مدججين بالأسلحة الرشاشة وقد جلس الضابط المسؤول عنهم على كرسي قرب آلية تتوسط الشارع. وقال عدنان جاسم (42 سنة) وهو يتناول الشاورما «طبعاً سأنتخب اليوم لأن هذا الأمر يؤمن مستقبل العراق من الناحيتين الاقتصادية والسياسية». وتابع جاسم وهو جندي ارتدى لباساً مدنياً: «هناك من يحاول زرع فتن طائفية بين السنة والشيعة، ولكن هذا الموضوع (الانتخابات) ينهي هذه الفتن». غير أن صاحب المطعم الصغير خالفه الرأي. وأكد كاظم الموسوي ذو الشعر الطويل الذي كان يرتدي ملابس رياضية خاصة بفريق كرة قدم أوروبي «لا أريد أن انتخب اليوم لأن الحكومات لا تفعل شيئاً، ولا شيء مهماً تقدمه، والشعب كما هو باق على حاله، والتفجيرات مستمرة». وعلق على اليوم الانتخابي الآمن قائلاً:»اليوم حظر تجول، لن يحدث أي شيء عنيف»، مستدركاً بسخرية «اللهم إلا إذا انهمرت علينا القذائف». ويتنافس اكثر من 8100 مرشح ينتمون إلى اكثر من 260 كياناً سياسياً على أصوات 13 مليوناً و800 ألف ناخب للفوز ب 378 مقعداً في مجالس 12 محافظة، بعدما قررت الحكومة تأجيل الانتخابات في الأنبار ونينوى لفترة لا تزيد على ستة اشهر بسبب الظروف الأمنية في هاتين المحافظتين. وتأتي الانتخابات وهي الأولى منذ الانتخابات التشريعية في آذار (مارس) 2010 بعد أسبوع دام قتل خلاله نحو 100 شخص وأصيب المئات في تفجيرات متنقلة رفعت عدد ضحايا هذا الشهر إلى نحو 200 قتيل. وأثرت المخاوف من أعمال العنف التي باتت أشبه بروتين يومي منذ غزو البلاد عام 2003، والإجراءات الأمنية المشددة، في الإقبال على الاقتراع، في وقت رأى ديبلوماسيون أن صدقية الانتخابات تعتمد على العدد. ومن بين 450 ناخباً مسجلاً في كل محطة انتخابية في ثانوية الرشيد، حضر منذ الصباح وحتى الظهر بين 10 و13 ناخباً فقط، أدلوا بأصواتهم في الغرف المخصصة لذلك والتي تشمل خمسة مشرفين اضافة إلى ممثلين عن كيانات سياسية. وفي ساحة عقبة بن نافع في الكرادة، جلس أبو رعد (60 سنة) وقد وضع نرجيلة قربه، يتفرج على مباراة في كرة القدم بين مجموعة من الشبان، إلى جانب عناصر من الشرطة يتناولون الإفطار متجاهلين أبواق سيارتين تحاولان حضهم على الاقتراب لإقناعهم بالسماح لهم بعبور حاجز قريب. قال أبو رعد «اعمل حارس مبنى هنا، لذا لن انتخب اليوم»، مستدركاً «لا شيء سيتغير. العراق بخير، بألف خير».