الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    رؤية تسابق الزمن    تحولات كبرى في تسعة أعوام في مسيرة بناء وتنمية مستدامة    101.5 مليار ريال حجم سوق التقنية    101.5 مليار ريال حجم سوق التقنية    تصاعد التوترات التجارية يهدد النمو والاستقرار المالي    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    النصر يقسو على يوكوهاما برباعية ويحجز مقعده في نصف نهائي "نخبة آسيا"    غوارديولا: نوتنغهام فورست اختبار صعب    ضبط 19328 مخالفاً للإقامة والعمل    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    المملكة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    انطلاق فعالية "امش 30".. اليوم    لقاء مقتضب بين ترمب وزيلينسكي في الفاتيكان لإنهاء الحرب    انطلاق الجولة الثالثة لمحادثات الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة    موعد مباراة الأهلي والهلال في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    وزير الحرس الوطني يزور «بينالي الفنون الإسلامية 2025»    حين يعجز البصر ولا تعجز البصيرة!    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية    برعاية أمير المنطقة الشرقية.. انطلاق فعالية "امش 30" لتعزيز نمط الحياة الصحي    32 مليون مكالمة ل 911    نيس يعلن إصابة عبدالمنعم في الرباط الصليبي    مكافحة المخدرات معركة وطنية شاملة    التحول الرقمي في القضاء السعودي عدالة تواكب المستقبل    قوانين الفيزياء حين تنطق بالحكمة    دنيا حظوظ    الصبان رعى الختام .. اليرموك يخطف الأضواء والحريق والهلال في صدارة التايكوندو    المؤسسة الدبلوماسية بالمغرب تمنح مدير عام الإيسيسكو الجائزة الدولية للدبلوماسية الشعبية    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    جيسوس: الفوز بهدف فقط أفضل من خسارة كانسيلو    ثمار المانجو تعلن موسم العطاء في جازان    آل هيازع: رؤية 2030.. قصة نجاح ملهمة وإنجازات تسابق الزمن    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    وزير التعليم يرفع التهنئة للقيادة بما تحقق من منجزات تعليمية    أمير عسير يهنئ القيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة 2030    أبها تتغطى بغطاءها البنفسجي    وزير الصحة: تطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث أسهم في رفع متوسط عمر الإنسان في المملكة إلى 78.8 عامًا    للمرة الثالثة على التوالي ..الخليج بطلاً لممتاز كبار اليد    نائب أمير تبوك: رؤية المملكة 2030 حققت قفزات نوعية وإنجازات    ثانوية الأمير عبدالمحسن تحصد جائزة حمدان بن راشد    أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة من منجزات في الأعوام التسعة الماضية    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المفتاح ومفكّرة رجل عجوز مجنون» لجونيشيرو تانيزاكي... خدعة التلصّص
نشر في الحياة يوم 16 - 04 - 2013

المذكّرات واليوميّات محطّ اهتمام اليابانيّ جونيشيرو تانيزاكي في روايته «المفتاح ومفكّرة رجل عجوز مجنون» (ترجمة خالد الجبيلي، دار كنعان، دمشق). يحكي تانيزاكي حكاية رجل عجوز في منتصف العقد السادس من عمره، يدوّن يوميّاته في شكل دائم وثابت، وفي رأس السنة الجديدة، يستدلّ إلى لعبة يجدّد بها روتين حياته، ويبثّ تجديداً وتنشيطاً في حبّه لزوجته وعلاقته الحميمة معها، وهو المحكوم معها بالمتناقضات، ذلك أنّه يشعر بالفتور من جانبها، وأنّها في الوقت نفسه متّقدة. كما يراها متقيّدة بتعليمات التربية الصارمة التي تلقّتها على يدي والديها الكلاسيكيّين، وعلى رغم بلوغها منتصف الأربعينات من عمرها، إلّا أنّها تظلّ مكبّلة بتلك التعليمات التي تقيّد حياتها مع زوجها، وتثقل عليهما طيلة عشرين سنة من زواجهما.
يشعر الزوج الذي يتبادل السرد البوّاح مع زوجته إيكوكو أنّه على أعتاب مرحلة خطيرة، يودّ أن تطّلع زوجته على مذكّراته وتقرأها، لكنّه لا يرغب في منحها إيّاها بسهولة، بل يسعى إلى إغرائها بالقراءة، وإثارة فضولها إزاء المكتوب فيها، ويبدأ بافتعال بعض الحوادث ليثير لديها الفضول. تراه يزعم أنّه نسي مفتاح درج مكتبه الخاصّ في إشارة منه إليها لدفعها للتلصّص على دفتره المخبوء في الدرج، يكتب لها عمّا يعانيه معها ومن أجلها. يبوح لها بهواجسه وشغفه المتجدّد بها، وكيف أنّه يعاني جرّاء تربيتها الصارمة التي تؤثّر في علاقتهما الجنسيّة.
إيكوكو بدورها تكتشف الخدعة، يحلو لها إكمال اللعبة بشروط زوجها وعلى طريقته، تبدأ بكتابة مذكّراتها في دفتر خاصّ، تخفيه عنه، لكنّها تبقي أبواب التقصّي والبحث موارَبة، كي تدفعه إلى البحث في ثنايا الدفتر عن مكنوناتها وما يعترك في داخلها من وساوس وأفكار خاصّة، تكتب ما تظنّ أنّه يريد أن يقرأه ويطّلع عليه، تروي فضوله لاكتشافها بعد عقدين من الحياة المشتركة، تكون المذكّرات شرارة تعرّفهما إلى بعضهما بعضاً من جديد، يكونان في صدد نبش الماضي، وإثارة الأفكار، وتأويل الأقوال والتصرّفات.
تكون العتمة ملاذ الزوجين في ممارساتهما الليليّة، تلاحظ ابنتهما العشرينيّة توشيكو الضوضاء، وهي التي تكون على طريق الارتباط بالشابّ كيمورا سان الذي يبدو مفتوناً بأمّها أكثر منها، ويلاحظ الأب ذلك، كما تشعر توشيكو بالغيرة، وبشيء من التواطؤ المضمَر، تقرّر الخروج من البيت واستئجار سكن خاصّ بها، وبذلك تترك المجال للزوجين كي يكملا لعبتهما السريّة بينهما، والتي يدرك كلّ واحد منهما أنّ الآخر يستمتع بها ويستسيغها، لذلك تكون المفاجآت التالية مجدّدة لهما ومغيّرة لروتين حياتهما.
يدخل كيمورا على خطّ العلاقة، ليغدو العنصر الفعّال فيها، ومحرّك خيوطها الأبرز، إذ يشعل الغيرة في قلب الزوج العجوز الذي تستثيره تلك الغيرة فينكبّ على ممارسة الجنس بغرابة ونشاط يفقدانه قواه، ويدفعان به إلى الإصابة بنوبة جلطة. وقبل ذلك تجري وقائع تشكّك في نيّات كيمورا تجاه الفاتنة إيكوكو، بحيث تشعر ابنتها بالغيرة منها، ويشعر زوجها بالغيرة من كيمورا الذي يفترض به أن يكون زوج ابنتهما المستقبليّ، وتلك الغيرة تكون مفتاحاً لغوص كلّ منهم في داخله، والتنقيب في خلفيّات المواقف والأحداث، بحيث تستدعي المعالجة والمكاشفة والاعتراف.
يعترف كلّ من الزوجين للآخر بأسراره في مذكّراته، يكون الاعتراف أيضاً أحد المفاتيح لاكتشاف الذات والآخر، ولا سيّما أنّه يدفع بهما إلى تغيير نمط حياتهما، والبحث عن سبل لإبقاء الإثارة والفضول، ويكتشف كلّ واحد منهما أموراً كانت خفيّة في الآخر، ويسعدان للعبتهما السريّة - المُعلنة، ويتكتّمان عليها، بل يختلقان العراقيل أحياناً في طريق بعضهما بعضاً كي يوهما نفسيهما بأنّهما يخبّئان دفتريهما في أماكن آمنة.
تقع إيكوكو في المحظور، تنغمس بعلاقة مع كيمورا، تكتشف ابنتها ذلك، تخبر أباها الذي يرفض تصديقها، ويكتم شعوراً مبهجاً ينتابه في دفع زوجته إلى التمرّد والتغيير، يكون جنونه مفتاحه إلى السعادة غير المبرّرة، يثق بزوجته ويأبى أن يتوهّم بأنّها تخونه مع رجل آخر، لكن مشاعر الغيرة تأسره، وتدفع به إلى التهلكة.
موت الزوج المفاجئ بعد إصابته بالجلطة، يعيد إيكوكو إلى الواقع، وذلك بعد أن تسعد بإقراره بسعادة غريبة ذاقها في تلك الأشهر التي تواطأت فيها معه في لعبة المذكّرات التي دفعتها إلى الثورة على حياتها الرتيبة، وتخطّي صرامة تربيتها القديمة، واكتشافها شخصيّة مختلفة في ذاتها، وطريقة تعامل جديدة مع جسدها وزوجها وعشيقها وابنتها. ثمّ تكون التفاصيل اللاحقة والواردة مكمّلة لمشاهد الاكتشافات التي لا تهدأ والصراعات التي لا تنتهي في الداخل والخارج.
تبادل السرد والحكاية أهمّ مرتكز لتانيزاكي الذي مُنِح جائزة الإمبراطوريّة اليابانيّة للأدب 1949، في روايته، يمنح تانيزاكي الفرصة لكلّ من الراويَيْنِ كي يعبّر عن نفسه، ولا يلتفت إلى فرصة المعادلة بينهما، بل تجد أحدهما يستلم الحكاية والمذكّرات لفصول متتالية، قبل أن ينقلها إلى الآخر، وتكون المبادلة وفق مقتضيات الحالات النفسيّة، من دون التفات الى جانب الشكل والموازنة بين المتحدّثين، وتكون التواريخ المثبتة دالّة على النصف الأوّل من السنة، يحدّد الأشهر ولا يحدّد السنة، بل يبقيها مشرّعة على التخمين والتجدّد والانفتاح.
يحرص تانيزاكي على إبراز أنّ هناك الكثير من السبل ليكتشف بها المرء خفايا من حياته اليوميّة، أو يتعرّف من خلالها إلى ذاته وشريكه بعد سنين من المعاشرة، وكيف أنّ مفاتيح ذلك متنوّعة وتختلف من شخص الى آخر... حيث تكون مفاتيح السعادة مخبوءة في الدواخل، وتحتاج إلى مَن ينفض الغبار عنها ويلقي بها في لجّة الواقع. يرمز إلى إمكانيّة أن تكون الغيرة مفتاحاً لإعادة تعريف الحياة، أو يكون الاعتراف مفتاحاً آخر مساعداً لتجميل الحياة وبثّ النشاط فيها، وربّما الكتابة التي تفتح كوّة للتلصّص على داخل الإنسان وظاهره، بحيث قد تغدو المفتاح الأهمّ لولوج العوالم، ومنح القارئ المنشود المتعة التي يرومها. ثمّ يشير كذلك إلى إمكانيّة أن يكون التواطؤ أيضاً أحد مفاتيح المرء للتعرّف إلى نفسه ومحيطه. ولا يتوقّف عند تأويل بعينه، بل يكون المفتاح الذي يحضر في البداية في شكل مباشر، ويغيب بالتقادم لتتصدّر تجلّياته وبدائله، أحد الرموز لفتح الأبواب المُوصَدة في أعماق الإنسان وقلبه، وإزاحة القيود التي تحجب الشركاء عن بعضهم بعضاً، لتكون الحياة لائقة بهم، ولتكتمل سعادتهم التي يغلّفها ضباب الشكّ والجنون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.