افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس أعمال مؤتمر إعادة عمار غزة الذي تنظمه مصر بالتعاون مع النروج، بمشاركة الرئيس محمود عباس ووزراء خارجية 30 دولة عربية وأجنبية، فضلاً عن ممثلي 20 منظمة إقليمية ودولية. وأعلنت دول عدة مساهمات مالية في عملية إعادة الإعمار كان أسخاها من دولة قطر التي أعلنت التبرع ببليون دولار للعملية، لكن لوحظ أن غالبية ممثلي الدول ربطوا تلك المساعدات بتحقيق تقدم في علمية السلام. وقال السيسي في كلمته في مستهل المؤتمر: «يُمثل هذا المؤتمر خطوة مهمة لا غنى عنها لدعم الجهود المصرية التي انطلقت منذ اندلاع الأزمة الأخيرة في غزة»، لافتاً إلى أن جهود مصر لوقف الحرب في غزة ورأب الصدع الفلسطيني «يؤسس أرضية مناسبة لتفعيل التحرك الدولي العاجل والمطلوب، بالتنسيق والتعاون مع الحكومة الفلسطينية، لإعادة الإعمار وإصلاح الأوضاع المأسوية التي خلفتها الأزمة الأخيرة». وأضاف: «عملية إعادة الإعمار وتلبية احتياجات المواطنين في قطاع غزة تستند إلى محورين أساسيين هما: التهدئة الدائمة، وممارسة السلطة الوطنية لصلاحياتها في القطاع، وعلينا جميعاً أن نرتكز عليهما وألا نخذل الشعب الفلسطيني الذي يُعلق على هذا المؤتمر آمالاً كبيرة، لكنها أكثر تواضعاً إذا ما قيست بإمكانات المجتمع الدولي». وأكد السيسي ضرورة «وضع حد لاستمرار الوضع القائم، واستحالة العودة إليه، أو محاولة تحقيق استقرار موقت لن يدوم طويلاً». وقال إن «الطريق الوحيد لاستدامة السلم والأمن لكل شعوب المنطقة هو التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة وشاملة، استكمالاً لمسيرة السلام التي بدأتها مصر في سبعينات القرن الماضي... فلا بديل عن هذه التسوية حتى يتسنى للشعب الفلسطيني التفرغ للبناء من دون أن يخشى تدمير ما بناه بسواعده وبدعمكم». السيسي: المبادرة العربية وأشار إلى أن مصر «تدرك المخاطر والتحديات التي تحيط بمنطقتها، ومن منطلق دورها التاريخي والإقليمي ورؤيتها القائمة على مبادئ ثابتة وقيم راسخة، تدعو إلى السعي بإرادة وتصميم لتحقيق التسوية الشاملة والعادلة». وقال: «أنادي الإسرائيليين شعباً وحكومة: لقد حان الوقت لإنهاء الصراع من دون إبطاء، للوفاء بالحقوق، لإقامة العدل حتى يعم الرخاء ويُحصد الأمان. كما أثق في أنكم جميعاً تشاركونني النداء إلى كل أم وأب، إلى كل طفل وشيخ، في فلسطين وفي إسرائيل، كي نجعل من هذه اللحظة نقطة انطلاق حقيقية لتحقيق السلام الذي يضمن الاستقرار والازدهار، ويجعل حلم العيش المشترك حقيقة. تلك هي الرؤية التي تضعها المبادرة العربية للسلام الذي نتطلع إليه، والذي يحتم علينا أن يكون ميراثنا للأجيال المقبلة». عباس لجلاء الاحتلال من جانبه، تساءل الرئيس الفلسطيني: «أما آن لشعبنا أن ينعم بحريته وكرامته وسيادته واستقلاله في دولته الخاصة به؟ وهل هذا كثير؟ أما آن للحق والعدل أن يبسطا ظلالهما على فلسطين؟ أما آن للظلم التاريخي لشعبنا أن ينتهي؟ أما آن لأطول احتلال في العصر الحديث أن ينتهي؟ أسأل هذا السؤال وأتمنى جواباً: لماذا شعب فلسطين آخر شعب تحت الاحتلال؟». وشدد عباس على ضرورة «وضع حد للاحتلال الإسرائيلي الذي يحرم الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية من نحو ثلاثة بلايين دولار سنوياً». وأكد أن «عدم التزام الحكومة الإسرائيلية المرجعيات الدولية، وقرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين على أساس حدود عام 1967، مع حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه استناداً لمبادرة السلام العربية المعتمدة في قمة بيروت عام 2002، وفي مؤتمرات القمة الإسلامية، يدفع بمنطقتنا مجدداً نحو دوامة العنف والنزاع». وحدد مبلغ 4 بلايين دولار لإعادة إعمار غزة، وقال إن انعقاد المؤتمر في هذه الظروف البالغة الدقة والتعقيد، إنما هو تأكيد على ارتباط إعمار قطاع غزة بمجمل الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وعلى حقيقة واضحة وراسخة، وهي أن قطاع غزة إلى جانب الضفة، وبما فيها القدسالشرقية، تشكّل وحدة جغرافية واحدة، نسعى إلى جلاء الاحتلال الإسرائيلي عنها. وطالب المجتمع الدولي بمقاربة جديدة لعملية السلام، من خلال دعم السعي الفلسطيني لإصدار قرار من مجلس الأمن يضع سقفاً زمنياً لإنهاء الاحتلال، والذهاب من ثم إلى مفاوضات جادة لحل قضايا الوضع النهائي كافة، بدءاً بترسيم الحدود في إطار جدول زمني محدد لا يتعارض مع التزامات تحقيق السلام العادل والشامل، على نحو يكفل الأمن والاستقرار لجميع شعوب ودول المنطقة، ويسهم في تعزيز السلم والأمن العالميين. كيري لحل الدولتين وتحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقال إن بلاده ترى أن «حل الدولتين لإنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أصبح أكثر ضرورة الآن»، لافتاً إلى أن بلاده تعمل مع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية من أجل سلام دائم. وشدد على أن الأسباب التي تدعو إلى اعتماد حل الدولتين «باتت أكثر وضوحاً ورسوخاً الآن»، وقال: «لا يوجد بديل مقبول». بان الى غزة غداً كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن نجاح عملية إعادة إعمار غزة «يتطلب توافر أسس سياسية قوية»، محذراً من أن «غزة لا تزال برميل بارود. الناس بحاجة ماسة إلى رؤية نتائج (تشكل تحسناً) في حياتهم اليومية». وقال انه سيتوجه الى غزة غدا للاطلاع على الوضع هناك. وطالب الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته تجاه الشعب والحكومة الفلسطينية، وقال: «فلسطين محتلة منذ ما يقرب من ربع قرن، وأصبحت مسؤولية سياسية شاملة لوقف هذا العدوان وضمان عدم تكراره والعمل على إصلاح ما هدمته قوات الاحتلال»، داعياً إلى بدء مفاوضات جدية بين الجانبين لترسيم الحدود وإقامة سلام دائم بينهما. وقالت الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إن «قطاع غزة يشكل جزءاً لا يتجزأ من الدولة المستقبلية لفلسطين. الحل الدائم للوضع في غزة ينصب في مصلحة الجميع». وقال وزير خارجية النروج بورج برندي إن إعادة إعمار غزة «جزء لا يتجزأ من حل الدولتين، ولا بد من وجود استراتيجية لإعادة الإعمار من خلال أنشطة اقتصادية قوية». وأضاف: «حان الوقت لكي يكون لدينا مسار جديد للخطوات المستقبلية. في الواقع يجب أن تكون هناك إعادة إحياء للمحادثات». وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: «لا بد من إيقاف الدائرة العبثية من التدمير وإعادة الإعمار. حل القضية الفلسطينية يكمن في استدامة الهدنة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، واستمرار المفاوضات بينهما في القاهرة بما يسمح برفع الحصار عن شعب غزة، وأن يتم الأخذ في الاعتبار بالشواهد الأمنية لإسرائيل واحتياجات القطاع». وأضاف: «نلاحظ أن المفاوضات تبدأ بشكل جيد، لكن ما أن نقترب من الهدف وتحقيق السلام، فإن المفاوضات تفشل لأسباب مختلفة تعود في الآخر للسياسة الداخلية». وأكد ضرورة استيعاب دروس الماضي، وأن تكون هناك دولة فلسطينية ديموقراطية تتعايش في سلام مع إسرائيل مع وجود القدس كعاصمة مشتركة للدولتين». وقالت وزيرة خارجية إيطاليا فيديريكا موغيريني: «لن تكون هناك إعادة إعمار حقيقي ومستدام إلا بإنهاء الحصار على غزة... الوضع الحالي غير مقبول ويجب التعامل معه، واستمرار وقف إطلاق النار وإعادة المحادثات فوراً». وأضافت: «المحادثات يجب ألا تكون مجرد مفاوضات من أجل الحديث، لكن من أجل التطرق إلى المواضيع الجوهرية للوصول لحلول تقبلها كل الأطراف وإرادة للوصول لدولتين متجاورتين وتعيشان في سلام». واستنكرت وزيرة التنمية والتعاون الدولي الإماراتية لبنى بنت خالد القاسمي الممارسات العدوانية المستمرة للقوات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، كما دانت الاقتحام الأخير للقوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، والغارات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. ودعت إلى وقف كل الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، مطالبة المجتمع الدولي بالعمل على تمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه وإقامة دولته وعاصمتها القدسالشرقية. وقال وزير خارجية قطر خالد بن محمد العطية إنه إذا كان الشعب بحاجة إلى المساعدة للإعمار، فهو بحاجة لحل سياسي لتحقيق السلام والحصول على حقوقه المشروعة. وطالب المجتمع الدولي والأطراف المعنية في الشرق الأوسط «بتحمل مسؤوليتها وبذل كل الجهود لإجبار إسرائيل على الانصياع للرغبة الدولية ووقف الاستيطان على الأراضي الفلسطينية».