ما زالت زيارات وزير الخارجية الاميركي جون كيري، الثلاث الى المنطقة في غضون أقل من شهر وما طرحه من افكار لتحريك عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، تثير نقاشات في اسرائيل بهدف التأثير على هذه المقترحات وتجييرها لمصلحة الموقف الاسرائيلي. وفي مركز هذا النقاس السؤال عما اذا كانت الحكومة الاسرائيلية تستطيع التجاوب معها، ام ان ما تواجهه من وضعية ومشاكل وتركيبة في الحكومة سيكون عائقاً يحبط هذه الجهود ويدخل الحكومة في أزمة ثقة جديدة مع إدارة الرئيس باراك أوباما؟ ومع ان الغالبية الساحقة لا تتفق مع كيري في تفاؤله وترى ان محاولاته لن تحدث اختراقاً قريباً في عملية المفاوضات وبأن الطريق ما زال طويلاً، لإعادة بناء الثقة بين القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية، وخلق ظروف لمفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة، الا ان هناك شعوراً سائداً بأن الجهود الاميركية هذه المرة جادة للغاية والولاياتالمتحدة تصر على التقدم الفعلي في المفاوضات. الحكومة الاسرائيلية أعلنت، وكما اوضح رئيسها، بنيامين نتانياهو، امام كيري، انها على استعداد لتحريك عملية السلام وبأنها تطمح لهذا السلام، لكن في اسرائيل وفي النقاشات الداخلية يحتدم النقاش حول ما يطرحه نتانياهو واذا كان بالفعل يرغب بالسلام وقادراً على تحقيقه ام انه يدرك، كما يدرك الكثير من الاسرائيليين، ان حكومته بتشكيلتها الحالية ومفاهيم السلام التي يحملها رؤساء احزاب الائتلاف الحكومي، من جهة، وما تواجهه من مشاكل اقتصادية والنقاش العاصف حول التقليصات التي ستمس بشرائح المجتمع الضعيفة من جهة اخرى، عاجزة عن تحقيق السلام. التفاؤل الذي اظهره كيري، خلال جولته المكوكية لم ينعكس في الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، بل ان الاسرائيليين حاولوا التخفيف من هذا التفاؤل عندما كرروا شروطهم التي كانت عقبة امام استنئناف المفاوضات طيلة اربع سنوات خلت: - تجميد الاجراءات احادية الجانب للفلسطينيين في الاممالمتحدة. - وقف التحريض في مناطق السلطة الفلسطينية. - الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. - ضمانات أمنية صعبة، مثل القبول ببقاء الجيش الاسرائيلي في غور الأردن المحتل. ورفض اسرائيل المطالب الفلسطينية التي تعتبر اساسية وهي اقل ما يمكن للفلسطينيين المطالبة بها: - عرض اسرائيل لخريطة حدود. - تحرير اسرى امنيين، بخاصة الذين يقضون في السجون الاسرائيلية قبل اتفاقية اوسلو. - تجميد البناء في المستوطنات. - وقف تام لعملية احتجاز أموال الجمارك والضرائب الفلسطينية في اسرائيل. جولات مكوكية تنافست وسائل الاعلام الاسرائيلية في نشر تفاصيل ما يحمله كيري من مقترحات وركزت النقاش على ما اذا كانت الحكومة قادرة على تنفيذ الخطة ام انها غير قادرة. وتحدثت عن ان الخطة ستنطلق من عمان بلقاء رباعي ويفترض أن تنتزع من الطرفين موافقة على معظم الشروط، التي يرى الاميركيون انها اساسية لاستئناف المفاوضات. ويقول الاسرائيليون ان الاميركيين لم يحسموا بعد ما اذا كان كيري سيعلن في زياراته المقبلة عن مبادرة. ووفق ما يتداول الاسرائيليون ففي التخطيط الاميركي سيجري وزير الخارجية جولات مكوكية تستمر ستة اشهر ويفترض باللقاء الرباعي أن ينهي مرحلة الاعداد ويبدأ بالمرحلة العملية في الاتصالات. وكما في نقاش اية مبادرة للسلام ينطلق الاسرائيليون بإلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني. وقبل ان يغادر كيري المنطقة اتهموا الفلسطينيين بوضع العراقيل امام مهمة كيري، لإصرارهم على تقديم خريطة اسرائيلية للتسوية. وعليه يتوقعون ان يبدأ كيري، بناء الثقة بين الطرفين من خلال انتزاع سلسلة خطوات من اسرائيل مثل ضمان استمرار تحويل اموال الضرائب وتحديد البناء الاستيطاني في المناطق الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، في مقابل تعهد الفلسطينيين بعدم التوجه بمبادرات مستقلة الى الاممالمتحدة، خلال الاشهر القريبة. اما موضوع الامن والحدود فقد بدأ كيري خطواته نحو التوصل الى اتفاق يناسب الطرفين. موظفون كبار في الخارجية الاميركية، عبروا خلال تصريحات لهم لوسائل اعلام اسرائيلية، انهم يحتفظون بخطة سلام لكنهم يشككون في قدرة الحكومة الاسرائيلية على تنفيذها. ووفق هذه الخطة، يقول الاميركيون، يمكن الطرفين التوصل منذ الآن الى توافق على 80 في المئة من المساحة – ذلك لأن الاسرائيليين يوافقون انه في 94 في المئة من المناطق لا يسكن اسرائيليون. والمعنى العملي في هذه المرحلة هو تسليم مناطق «ج» للفلسطينيين، شريطة أن تكون مجردة من السلاح. وبالتوازي، يتداول الاسرائيليون، معلومات عن بناء مجموعة دعم من دول الخليج وتركيا ودول شمال افريقيا، تساعد السلطة من جهة، وتطرح مبادرات تجاه اسرائيل من جهة اخرى، بروح المبادرة العربية للسلام. وسيكون لمجموعة الدعم هذه دور ايضاً في الخطاب الاقليمي الشامل في مواضيع سورية، وايران والاستقرار في الاردن. جهود روجرز الفاشلة النقاش الاسرائيلي بعد زيارة كيري يركز على مدى نجاح الحكومة الاسرائيلية في تحقيق السلام. فهناك من يعتمد في حديثه على تركيبة الحكومة اليمينية التي تشمل حزب المستوطنين برئاسة نفتالي بينيت، الذي سيكون عقبة امام اي طرح لقضية المستوطنات وحتى حزب المركز برئاسة يائير، سيكون عائقاً، اذ ان، وبحسب ما قال بينيت، امام وزير الخارجية النروجي، اسبن ايدهان حليفه يائير لبيد، وخلافاً لمواقفه التي طرحها قبل دخوله الائتلاف الحكومي، غير متحمس لحل الدولتين. وفي هذا الجانب طرح بينيت معارضة حادة لاقامة دولة فلسطينية بين نهر الاردن والبحر المتوسط. وقال: «نحن لسنا متحمسين جداً لحل الدولتين وهذا موقف معظم وزراء الحكومة حتى يئير لبيد». والحل، وفق بينيت، ان يكون الاردن دولة للفلسطينيين». اما الضمانات الامنية، فيضعها ممثلو هذه الحكومة كقضية مركزية ويقولون انهم لا يثقون بأي طرف. ويعتقد هؤلاء انه حتى الولاياتالمتحدة غير مضمون ان تكون داعمة لهم في خطوات مستقبلية في مجلس الامن. وجاء الموقف الصريح من مستشار نتانياهو لشؤون الامن القومي، يعقوب عميدرو الذي اعلن موقف بلاده الرافض لاستبدال قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة بقوات امن فلسطينية ولا حتى دولية، مدعياً ان لا امل لاسرائيل في ضمان المصادقة على مواقفها في الاممالمتحدة، ويقول: «لا يمكن إسرائيل السماح بوضع ترابط فيه قوة دولية في أراضي الدولة الفلسطينية لتحل محل الجيش الاسرائيلي في حماية الامن. فمثل هذه القوة الدولية ستجد نفسها تحت ضغط كبير لا يمكن تحمله تماماً كالمظلة التي تنطوي ما أن يبدأ هطول المطر». ووصف عميدرور هذا جاء موجهاً لقوات اليونيفل المنتشرة في الحدود الشمالية تجاه لبنان وسورية، حيث – يقول عميدرور - انها فشلت في منع تهريب السلاح ل «حزب الله». اما تلك المرابطة بين اسرائيل وسورية في هضبة الجولان فهي، بحسب عميدرور «تتفكك تحت أول تحد تواجهه». وعليه، ينقل مستشار نتانياهو موقف بلاده الذي «يفضل العيش بلا اتفاق من غياب توافق على ترتيبات امن ملائمة». ويعتقد عميدرور بأن كل تسوية دائمة مع الفلسطينيين يجب أن تنطوي على ترتيبات أمن مشددة للغاية قائلاً: «في الشرق الاوسط، مصير الاتفاقات التي يوقع عليها من دون أن يكون في ايدينا سيف حاد هو أن تصبح ورقة عديمة القيمة». اما مبعوث رئيس الحكومة الاسرائيلية، المحامي اسحق مولخو، فقد سبق وأوضح ان نتانياهو مستعد لأن ينسحب الى الكتل الاستيطانية، وان كان يطالب بأن يبقي في غور الاردن تواجداً عسكرياً طويل السنين، وبأنه غير مستعد لأن يتناول، في هذه المرحلة على الأقل، مسألة القدس. ولكن، في وجهة نظر ثانية، هناك من يرى ان هذه الحكومة، وعلى رغم تركيبتها اليمينية المتشددة، قد تواجه وضعاً شبيهاً بسابقاتها من حكومات اسرائيل، التي كانت بمضمون سياستها وتركيبتها الحكومية، أكثر يمينية في مواقفها، لكنها لم تصمد امام الضغوطات وقدمت تنازلات وأبدت تجاوباً مع المبادرات، كحكومة نتانياهو الاولى، التي اضطرت الى الانسحاب من الخليل وحكومة مناحيم بيغن، التي رضخت امام ضغوطات الرئيس الاميركي، جيمي كارتر وانسحبت من سيناء، على رغم الاوضاع التي كانت تسود آنذاك والمعارضة الاسرائيلية الشديدة، التي أبدتها هذه الحكومة في بداية طرح اقتراح الانسحاب من سيناء. امام وجهات النظر هذه هناك من يعتقد بأن جهود كيري ستفشل كما فشلت جهود وزير الخارجية الاميركي في سنوات السبعينات وليام روجرز، خلال فترة مستشار الامن القومي هنري كسنجر.