45 عاماً مضت على إنشاء «المعهد القومي للأورام» التابع لجامعة القاهرة، ما أدخل مبانيه وتجهيزاته في شيخوخة. ومثّل المعهد قِبلة لمرضى الأورام في مصر ومجموعة من الدول العربية كالسودان واليمن وفلسطين وليبيا. ولأن المعهد لم يعد قادراً على استيعاب التزايد في أعداد المرضى، جرى التفكير في إنشاء معهد آخر بتجهيزات أفضل في «مدينة الشيخ زايد» (جنوبالقاهرة) على مساحة 34 فداناً وسعة ألف سرير. وأُطلِقَت حملة لجمع التبرعات لهذه الغاية. وأشار المدير العام ل «مستشفى المعهد القومي للأورام» الدكتور خالد أبو العينين، إلى أن المستشفى يستقبل قرابة 250 ألف حالة سنوياً، منها ما يزيد على30 ألف حالة جديدة، مع تقديم الخدمة الطبية المتخصصة لها. وأوضح أن المعهد يعتبر الوحيد في مصر الذي يقدم خدمات علاج الأورام مجاناً (لقرابة 80 في المئة من المرضى)، بينها العلاج الجراحي والكيماوي والإشعاعي، إضافة إلى إجراء الفحوص اللازمة للتشخيص والمتابعة، مُشيراً إلى أن التبرّعات تمثّل المصدر الرئيسي للتمويل، فتستخدم لشراء الأدوية ومستلزمات التشخيص والعلاج. وأضاف أن المعهد يجري تطويره في شكل واسع حالياً، مع وجود مشروع لتطوير نظام شبكة المعلومات فيه. وأشار إلى بدء تحديث شبكة المعلومات بالتعاون مع وزارة الدولة للتنمية الإدارية، ومؤسسة «وفاء مصر»، لتركيب أحدث أنظمة تخزين المعلومات وربط مراكز الأورام في المحافظات المختلفة مع المعهد الرئيسي. وأفاد أبو العينين بأن العمل جارٍ على إنشاء مجمّع علاجي في مساحة متاخمة للمعهد، بمساعدة «جمعية أصدقاء معهد الأورام»، كي يستوعب العيادات الخارجية المنوط بها تقديم الكشف والمتابعة وسحب عينات التحاليل وصرف العلاج للمرضى. وأوضح أن ملكية مستشفى في التجمع الأول في مدينة القاهرةالجديدة، نُقِلَت إلى معهد الأورام بعد قرار إخلاء المبنى الجنوبي للمعهد إثر تصدعه. وتقرر إنشاء أول مركز متكامل لتشخيص سرطان الثدي وعلاجه. وبيّن أن تعديلات عدّة أُدخِلَت بما يتناسب مع متطلبات العمل في هذا المركز الذي زُوّد أيضاً بأحدث الأجهزة والمستلزمات لتقديم الخدمة الطبية على أكمل وجه. وأضاف أبو العينين: «خُصّصت قطعة أرض مساحتها قرابة 34 فداناً، لبناء معهد الأورام الجديد «500500» في «مدينة الشيخ زايد»، ليصبح أكبر مستشفى لتشخيص وعلاج الأورام وأحدثها أيضاً. وجرى اختيار أحد أكبر شركات تصميم مستشفيات الأورام عالمياً لتصنع الرسوم والتصميمات. الكشف المبكّر أولاً في الإطار ذاته، قالت الدكتورة رباب جعفر، ممثلة مصر وأفريقيا في «الجمعية الأوروبية لعلاج الأورام»، إن أوروبا وأميركا تطبّقان سياسات صارمة للحدّ من انتشار الأورام. وشدّدت على صدور تحذيرات متكررة للدول النامية، من ارتفاع الإصابة بالأورام فيها، بداية من العام 2020 لتصل إلى أكثر من أضعاف معدلاتها حاضراً. ولفتت إلى الزيادة المستمرة في الإصابة بسرطان الثدي الذي يمثل 37% من إجمالي الأورام التي تصيب سيدات مصر. وشدّدت جعفر على أهمية الكشف المبكر لسرطان الثدي باعتباره الأكثر شيوعاً بين السيدات، مع ملاحظة أن معدلاته أكثر ارتفاعاً في الدول المتقدّمة، إلا أن نسب وفياته انخفضت بفضل الاكتشاف المبكر، والتقدّم الكبير في طُرُق علاجه وجراحته. وأوضحت أن المقصود بالكشف المبكر هو اكتشاف الورم في المراحل التي لا يسبّب فيها أعراضاً، ولذلك اتجهت الأنظار إلى إنشاء مراكز لفحص الإناث السليمات، وليس المُصابات بالورم. وأشارت جعفر إلى أن ثقافة الكشف المبكر عن الأورام مازالت بحاجة إلى الدعم عربياً. وقالت: «في الخارج نجد أن متوسط حجم أورام الثدي عند الاكتشاف لا يزيد على سنتيمترين، في حين يصل إلى أكثر من 4 سنتيمترات في البلاد العربية». وتحدثت وكيلة معهد الأورام الدكتورة وفاء طه عن أهمية دور الإعلام في نشر الوعي الصحي، وتعريف الرأي العام بمسبّبات السرطان، وتنبيهه لخطورتها، وكذلك الحال بالنسبة لأهمية الوقاية من هذه الأورام عبر إجراءات تشمل تقديم الأطعمة والمشروبات الصحية الخالية من الملوثات، وعدم استخدام المبيدات الحشرية المُسرطِنة. ورأت دوراً للإعلام في تقديم المعلومات المُبسّطة التي تعرف الأفراد بالأعراض الأولية لمرض السرطان، ما يساعد على اكتشافه في مراحله الأولى، ويزيد من فرص الشفاء. وأضافت: «أعتقد أن للإعلام دوراً مهماً في إلقاء الضوء على وسائل العلاج المتاحة، والمراكز المتخصّصة التي توفرها الدولة لعلاج هذا المرض. كما يمكنه مساعدة مريض السرطان ودعمه خلال رحلة العلاج، عبر تعريف الأسرة والمجتمع بما يصاحب تشخيص السرطان من انفعالات ومشاعر مثل الشعور بعدم القدرة والضعف والغضب والخوف والاكتئاب والعزلة. وعلى الإعلام أيضاً توضيح أهمية الدعم النفسي والمعنوي للمريض... هناك كثيرون ممن اجتمع لديهم ألم المرض مع ألم نقص المال، ولن يجدوا أحداً ليقف معهم ما لم نقف معهم». لا للخوف... نعم للحياة أوضح عميد «المعهد القومي للأورام» الدكتور علاء الحداد، أن قسم العلاج الكيماوي في المعهد يستقبل يومياً أكثر من 300 مريض، بكلفة تصل إلى 7 آلاف جنيه (نحو ألف دولار) للمريض، بالاعتماد على التبرعات. وأشار الحداد إلى أن خدمات المعهد تشمل الاكتشاف المبكر، والتشخيص بالطرق الحديثة، والعلاج بالنوعية المتقدمة. وأوضح أن استراتيجية المعهد تعتمد على مساعدة المجتمع في نشر ثقافة صحيّة قوامها عدم الخوف من تشخيص الأورام، والتأكيد أن هناك أنواعاً منها تُشفى تماماً، ومساعدة مراكز العلاج على وضع خطط علاجية تواكب النظم العالمية، إضافة إلى التدريب المستمر. في السياق عينه، رأى أستاذ طب الأورام الدكتور حسين خالد، أن السرطان يعتبر مشكلة قومية في مصر، لكونه ثاني أسباب الوفاة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، منبّهاً إلى أن سرطان الرئة هو الأكثر شيوعاً بين الرجال بينما يمثل سرطان الثدي العدو الأول للسيدات. وبيّن أن السرطان أكثر شيوعاً في أوروبا والولايات المتحدة (مع حدوث قرابة 500 حالة جديدة سنوياً لكل 100 ألف نسمة) مقارنة بالدول النامية في أفريقيا وآسيا (تبلغ النسبة عينها 200 حالة)، إلا أن الوضع ربما انقلب في السنوات المقبلة، ما يرجح تفاقم المشكلة في دول العالم النامي ومنها مصر. وخلص خالد للتشديد على أهمية تضافر الجهود والإعداد الجيد لمواجهة تلك المشكلة. عودة إلى الحياة في السياق عينه، أوضحت الدكتورة هبة الظواهري رئيسة قسم العلاج الكيماوي في المعهد، أن كلفة الجلسات الإشعاعية لمريضة سرطان الثدي تبلغ 12 ألف جنيه في المراكز الخاصة، في حين تقدَّم بالكفاءة نفسها في المعهد مجاناً. وتصل كلفة علاج أورام المخ إلى أكثر من 35 ألف جنيه، لكنها تقدّم مجاناً من المعهد للمرضى المحتاجين، وكذلك الحال بالنسبة إلى علاج سرطان المثانة. وفي السياق العلمي، أكّدت الظواهري أن العلاج الكيماوي شهد تطوراً في الآونة الأخيرة، شمل العلاج الموجّه الذي يرفع مُعدل الشفاء مع تقليل الآثار الجانبية. وترتب على هذا التطور ارتفاع نسب شفاء أورام الثدي والغدد الليمفاوية والجهاز الهضمي. وأضافت الظواهري أن المعهد يقدّم خدمات علاجية أخرى، مثل التردد الحراري، والحقن عن طريق الكبد، واستخدام العلاج الكيماوي أثناء العمليات الجراحية مع استخدام درجات الحرارة المرتفعة، والعلاج عن طريق خلايا المنشأ (الجذعيّة) وغيرها. وأوضحت أن خدمات معهد الأورام تمتد إلى متابعة المرضى بعد الشفاء، بهدف تشجيعهم على العودة إلى الحياة الطبيعية.