على رغم ما يقالُ عن تقليدية القضاء وأنه آخر المؤسسات تأثراً بالتطوير والتحديث في إجراءاته، نظراً إلى ارتباطه الوثيق بحقوق الناس وما يستلزمه ذلك من التحري الشديد والدقة البالغة، إلا أن التجربة القضائية في عدد من مؤسساتنا القضائية كانت وما تزال تتسم بالتحديث المستمر والإفادة من تجارب وخبرات الآخرين على أحسن وجه، فالحق ضالة المؤمن أنى وجده فهو أحق به! والراصد لتجربة قضاء ديوان المظالم مثلاً يلحظ إفادته من ذلك عبر مستشارين شاركوا في التأسيس من بعض الدول العربية والذين أفاد منهم الديوان في نشأته، مما أسهم في نقل تلك الخبرات إلى قضاء ديوان المظالم. ومن تجربة شخصية، لمست الاعتناء بالتأهيل والتدريب ونقل الخبرة لدى كل رؤساء الديوان الكرام، الذين أدركتهم بدءاً من الشيخ منصور المالك والذي كان له السبق في إيفاد منسوبي الديوان لإتمام الدراسات العليا، وقد تشرفت بأن أكون من طليعة الموفدين داخلياً لإتمام دراسة الدكتوراه في الفقه المقارن حينها، وتبعه الشيخ حمود الفايز وحظيت بأول تجربة لي في زيارة المحاكم والتدريب الميداني داخلها والاطلاع الدقيق على إجراءات العمل فيها أثناء زيارة قضائية مطولة للولايات المتحدة، جرى فيها التدريب داخل المحاكم المحلية والفيدرالية في أنحاء الولاياتالمتحدة، وكذلك المحكمة الدستورية العليا، كما بذر الشيخ الفايز نواة التدريب القضائي وحرص عليه عبر المشاركة في المؤتمرات المتخصصة في الداخل والخارج. وبعده، واصل الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الاهتمام بالتدريب، فأسس لجنة التدريب القضائي وتشرفنا بعضويتها، وكان أميز برامجها التدريب الميداني لأسابيع عدة داخل المحاكم الفرنسية ومعهدها القضائي، برفقة عدد من الزملاء القضاة. وواصل التدريب القضائي نموه واتساعه مع رئاسة الشيخ إبراهيم الحقيل وانتظامه الشخصي في التدريب، وإشراك جميع القضاة بكل رتبهم القضائية في التدريب الداخلي والخارجي، والاطلاع على التجارب الدولية في مثل ماليزيا وسنغافورة ومصر والمغرب ولبنان والأردن والإمارات وعدد كبير من دول العالم، مع إضافة نطاق تدريبي جديد يتعلق بتطوير الذات وفنون الاتصال والقدرة على اتخاذ القرارات وعدد من الدورات المساندة، التي تسهم في بناء شخصية القاضي، وصولاً إلى تضمين أجمل ما في تلك التجارب ضمن الخطة الاستراتيجية لديوان المظالم وإتمام العمل فيه، ليكون البدء من حيث يطمح الآخرون، وليس من حيث انتهوا فحسب! وما يزال هذا الجهد الطيب، يقوم به الشيخ عبدالعزيز النصار من خلال دعم التدريب والقيام به وتوقيع أضخم عقود التدريب التي شهدها الديوان لتحقيق مزيد من التأهيل للقضاة ومعاونيهم. ومن المستقر أنه لا يوجد أحد أكبر من التدريب والتأهيل، وإن أنفع صور التدريب ما يكون على رأس العمل، لارتباطه بالتطبيق ومعالجته لأوجه القصور التي تظهر عند التطبيق. مؤكداً أن الحاجة تمتد أيضاً إلى الدورات المتصلة واللصيقة بعمل القضاء، كالتثمين العقاري والإجراءات المحاسبية وكل ما يتصل بقراءة تقارير بيوت الخبرة وفهمها والتعامل معها. * محامٍ ومستشار قانوني. [email protected]