تواصل بورصة «وول ستريت» أداءها المميز الذي لم تشهده منذ العام 1996، فاقترب مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» أخيراً من 1563 نقطة، أي أقل بنقطتين عن المستوى التاريخي الذي سجله في تشرين الأول (أكتوبر) 2007 والبالغ 1565 نقطة. وأشار مشغلو بورصة زيوريخ إلى أن بورصة «وول ستريت» تجاوزت الأزمة الاقتصادية، إلا أن أحوال الاقتصاد الأميركي مختلفة. فعلى رغم أن الناتج المحلي الأميركي ينمو، إنما بوتيرة أضعف مقارنة بالفترة قبل اندلاع أزمة سوق الإسكان الأميركية عام 2007 والتي أدت إلى أزمة المال العالمية عام 2008، علماً بأن الناتج كان ينمو 2.21 في المئة سنوياً حتى عام 2007، في حين أن النسبة اليوم تراجعت إلى 0.1 في المئة. وفي ما خص مؤشرات بورصة «وول ستريت» فهي لا تعول على المعطيات الاقتصادية الأميركية بل على السيولة المالية الضخمة التي ضختها مؤسسات حكومة واشنطن في أسواق المال. فكلما زاد تدفق هذه الأموال كلما زادت قوة البورصة والعكس صحيح. ويذكّر خبراء سويسريون بحادثة إفلاس مصرف «ليمان بروذرز» في أيلول (سبتمبر) 2008، التي حضت الحكومة الأميركية على إعداد خطط لمحاربة ظاهرة الإفراط في الإقراض من قبل المصارف المحلية، ومن بينها تشجيع شراء سندات الخزينة الأميركية «تي بوند» التي ساهمت في تدفق نحو ثلاثة تريليونات دولار إلى الخزينة. وسعى مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (المركزي)، إلى طباعة العملة الوطنية وإغراق الأسواق. وعلى رغم أن مردود سندات الخزينة «تي بوند»، التي تستحق بعد 10 سنين، أقل ب 38 في المئة مقارنة بعام 2008، ومردود سندات «تي بوند» التي تستحق بعد خمس سنوات أقل ب 60 في المئة مقارنة بعام 2006، إلا أن إقبال المستثمرين الدوليين عليها ما زال مقبولاً. ونوه أساتذة اقتصاد في «جامعة برن» بأن التناقض بين انتعاش بورصة «وول ستريت» وتراجع الاقتصاد الأميركي، يُعرف بال «الاضطهاد المالي» أي «فاينانشل ريبريشن». فالسيولة المالية الهائلة الذي يضخها «المركزي» في الأسواق مركزة داخل أسواق الأسهم المالية حصراًً ولا تكترث بالأحداث حولها، ما يجعل قيمة بورصة «وول ستريت» وأسهمها تتضخم في شكل خارج عن السيطرة. ويكفي التوقف عند مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» لنرى أن حركة التداولات تبلغ 17.3 ضعف العائدات المتوقعة، وبالطبع تفوق الحركة المسجلة في مؤشر «شنغهاي كومبوزيت»، التابع للبورصة الصينية. وأكد مراقبون سويسريون أن التناقض بين الاقتصاد الأميركي وحركة تداولات، في «وول ستريت» قد يساهم خلق فقاعة، وذلك يتعلق بسياسة «المركزي» المقبلة التي قد تعمل على تقليص حركة تدفق السيولة المالية إلى الأسواق لسبب ما، ما من شأنه التأثير على مردود سندات الخزينة الأميركية. وقدر خبراء الخسائر التي ستلحق بالخزينة الأميركية بنحو 1.7 تريليون دولار في حال قرر «المركزي» التوقف عن دعم أسواق المال الداخلية المتعطشة للسيولة، ما قد يجعل يدفع حكومة الرئيس باراك اوباما إلى أزمة مماثلة لتلك الأوروبية.