السبت 30/3/2013: الأغنية ضد الموت ليس الحشد في ميدان التحرير علامة وحيدة لثورة 25 يناير المصرية، فمن العلامات البارزة أيضاً الرسم على الجدران (الغرافيتي) والأغنية الفردية أو الجماعية. بالخطوط والألوان وبالإيقاع والصوت يعلن المصريون وجودهم وتفتح هذا الوجود وطلبه الكرامة والاكتفاء والفرح. هذه التعبيرات يحاول حجبها كلام السلطة ذو المرجعيات البعيدة عن أرض مصر ومائها ونباتها وبشرها. ويتجلى الحجب في موجات الكآبة والشعور بالإثم بلا إثم، يبثها أهل السلطة في وجدان الجموع انكفاءً يوصل الى إذعان. الأغنية المصرية الجديدة أو المستعادة هي ما يعيد التعبير الوجداني الحر، التعبير عن الفرح كما عن الحزن سواء بسواء. لذلك يستعيد المصريون (ومعهم عرب كثيرون) أغنيات عبدالحليم حافظ في ذكرى رحيله السادسة والثلاثين، أغنيات وطنية وعاطفية، وصور المغني في أفلامه الرومنطيقية حيث تبدو مصر أنيقة بأبنيتها الشعبية والحديثة كما بأهلها المعبّرين عن أنفسهم بلا ضوابط سوى الأخلاقيات المتعارف عليها لا تلك المفروضة ردعاً للعواطف. ولا تقتصر الأغنية المصرية على الأصوات، على رغم حضورها لدى أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان وعبدالحليم حافظ وشادية وفريد الأطرش وآخرين، انها بالدرجة الأولى الألحان الغنية الطالعة من مدارس الموسيقى في الأكاديمية وفي الشارع. وليس من دراسة وافية عن مصادر الألحان في الشارعين الشعبي والحديث في المدينة المصرية، حيث إيقاع العمل والفرح والحزن والاحتفالات لمناسبة ولغير مناسبة. وربما كان الإيقاع وافداً مع جالية امتصها المجتمع المصري وضمها الى جسده الحيوي، وهنا نذكر الجاليات العربية المشرقية والمغربية وتلك الآتية من وادي النيل السوداني أو من المقلب الشمالي للبحر الأبيض المتوسط. من يذكر الموسيقيين الأوروبيين وقد ملأوا ساحات مصر في فترة ما بين الحربين العالميتين؟ وفي مجال التعريف بالملحنين، لا بد من الإشارة الى دراسة سمر محمد سلمان «نهوند الفقراء - مئوية محمود الشريف (1912-2012)» المنشورة في عدد خريف 2012 وشتاء 2013 من الفصلية اللبنانية «بدايات» التي يرأس تحريرها فواز طرابلسي. محمود الشريف ملحن أغنيات صارت جزءاً من الوجدان المصري أشبه بالفولكلور، منها الوطنية الأشبه بالأناشيد مثل «الله أكبر فوق كيد المعتدي»، ومنها العاطفية وأبرزها لمحمد عبدالمطلب «رمضان جانا» و«بتسأليني بحبك ليه» و«بياع الهوى»، ولعبدالغني السيد «وله يا وله» و«البيض الأمارة»، ولليلى مراد «اطلب عينيّ» و«من بعيد يا حبيبي أسلّم»، ولمحمد قنديل «ثلاث سلامات»، ولكارم محمود «عيني بترف» و«على شط بحر الهوى»، ولشادية «حبينا بعضنا» و «ليالي العمر معدودة». ومن ألحان محمود الشريف الأكثر تأثيراً «يا عطارين دلوني» بصوت مغنية اسمها أحلام يشعر سامعها بمزيج عجيب من الحنين والشكوى والخوف. تكتب سمر محمد سلمان: «اليوم، وبعد عقود على هذه الأعمال المتطورة الناضجة، اتخذت الطقطوقة شكلاً بدائياً جداً ليس فيه جهد ولا خيال. جملتان أو ثلاث على الأكثر تتردد من أول الأغنية الى آخرها، مما أدى الى تجرؤ كبير على هذا الفن واستسهال التلحين الى درجة جعلت الدخلاء على المهنة أكثر من أصلائها، والى تراجع التلحين، لمصلحة التوزيع الذي احتل الصدارة في تنفيذ الأعمال الموسيقية، للتغطية على ضعف المستوى الفني لدى الملحن، وعلى خواء في الخيال الموسيقي ترك للموزع مهمة استحضاره لترقيع فراغات اللحن الفادحة». الأحد 31/3/2013: انكشاف رفعت الثورات العربية غطاء الأنظمة الاستبدادية، لكنها برفعها الغطاء انكشفت كمجتمعات ولم تتحرر، صارت أسيرة حقيقتها/ حقائقها المتناقضة، بحيث يبدو خلع الديكتاتور، أي ديكتاتور، بداية لحرب أهلية أو شبه أهلية، هي في الواقع حرب ثقافية، فلا الحداثة امتلكت جذوراً لوجودها ولا التراث يلبي حاجات الناس الجسدية والعاطفية. ثقافات هي في الحقيقة ديكتاتوريات صغيرة قلقة وعدوانية. هذا ما يقدمه ربيع العرب فيتحول خلع الديكتاتور بداية الثورة/ الثورات لا نهايتها، ثورات لا تقدم بيانات فكرية وإنما فتات مجتمع لم يحقق وحدته إلا في الوهم، وفتات دولة لم تتحقق إلاّ بالاستبداد. حرب ثقافات تتجلى ببذاءات الثأر والاغتصاب والانتصارات الصغيرة تحت سماء الهزيمة الكبرى، في انتظار تبلور أشكال اجتماعية ودولتية تحتاج، مع الأسف، الى تدخلات إقليمية ودولية، كما حدث تماماً بعد الحرب العالمية الأولى. الخبر الأكثر قراءة في «الحياة» الأسبوع الماضي «12 ألف سورية تزوجن رجالاً مصريين خلال عام واحد»، واعتبر المجلس القومي المصري للمرأة ذلك «حالات إتجار بالبشر»، خصوصاً أن مهر/ ثمن المرأة الواحدة 500 جنيه مصري، أي أقل من مئة دولار أميركي. المرأة السورية ابنة السلالات الآرامية والرومانية والعربية معرّضة لما يشبه النخاسة. والحال هذه تتطلب مواقف تعيد اليها كرامتها، وتمنع وقوع مزيد من النساء في وهدة انحطاط مغلّف بعقود زواج شبه وهمية. حرب ثقافات تدفع ثمنها المرأة حافظة العائلة والثقافة القائمة على التنوع والاعتراف. الاثنين 1/4/2013: «عنف الديكتاتورية» بعد «الاسكندرية سراب»، الكتاب المتعدد المؤلفين، يضيف الكاتب اللبناني فارس يواكيم، في سياق ترجماته عن الألمانية، كتاب «كاستيليو ضد كالفن أو ضمير ضد العنف» لستيفان زفايغ (1881-1942)، واضعاً للترجمة عنواناً خاصاً هو «عنف الديكتاتورية» (عن دار الفرات في بيروت). أصدر زفايغ كتابه عام 1936 حين كانت النازية في سبيلها الى القبض الكامل على السلطة في المانيا، وقد مرّر معارضته وتحذيره من الديكتاتورية الآتية عبر استعادته مسار كالفن في السيطرة على جنيف و «تكفير» معارضيه حتى الموت، واضعاً سكان المدينة تحت قَسَم الإذعان لسلطته. انها استعادة جزء مظلم من التاريخ الأوروبي (الكالفينية) في مرحلة مظلمة أخرى (النازية والفاشية)، يقدمها فارس يواكيم في زمن «الربيع العربي» الذي يستنهض سلطات استبدادية تستخدم الدين كما استخدمه كالفن. الاستبداد واحد والحرية واحدة والإنسان واحد، هذه رسالة الكتاب. وفي مقدمة زفايغ نقرأ عن الحدود الفاصلة الضرورية: «لم يبق شعب ما وزمن ما ومفكر ما في منأى عنها، ذلك ان الحرية غير ممكنة من دون السلطة، والسلطة غير ممكنة من دون الحرية». زفايغ كاتب «عالم الأمس» (سيرته وسيرة عصره) وابن فيينا، عاصمة الامبراطورية النمسوية المجرية وعاصمة الحضارة الأوروبية، تلك التي اهتزت في الحرب العالمية الأولى وتخلخلت في الحرب الثانية. مثقف وابن عائلة غنية ترك وطنه هرباً من النازية ولم يستطع تحمّل فقدانه أوروبا التي يعرف فانتحر مع زوجته عام 1942، سنوات قليلة قبل أن تتحرر أوروبا من النازية والفاشية، وأن تنتفض بعد عقود على الشيوعية الستالينية، لتستعيد ديموقراطياتها، وإن منهكةً متعبة، بعدما تغير العالم ولم تبق أوروبا مركزه الوحيد. الثلثاء 2/4/2013: مرة في الأسبوع مرة في الأسبوع وليس يوم العطلة العمومي. اليوم لك وحدك ولأصدقاء قلة، لأحباب قلة، هناك فوق التلة البعيدة، حيث العشب ابن الطبيعة لا صنيعة الفلاح. العشب الأصليّ، كلام التراب المباشر بلا ترجمة، هذا التراب بالذات لا ما يسقط فيه من بذور ترميها طائرات الإمبرياليين الإنمائية أو من غرسهم المستورد في البواخر. مرة في الأسبوع تحت شجر الزعرور الضائع، هو السنديان أو شبيهه، ثمره الناضج على نار الحطب في المكان العالي، حيث المجال الأخضر يهبك ما لا تعرف أسماءه من الطيبات. أنت وأهلك الذين أتقنوا العربية فصارت لغتهم الأم، لا تعرف لنبات أرضك أسماء بلغتك، تحتاج الى اللاتينية، وحتى الى اليونانية القديمة، لتدرك اسم زهرة تشمها أو حبة خضراء تمضغ ماءها المحيي. مرة في الأسبوع فوق التلة العذراء، تريد التأكيد ان الأرض لك وأنك ابنها حياً وميتاً، لكن الأرض تنسب نفسها الى أجداد لك تعرفهم وأجداد لا تعرفهم، تحتاج مترجماً لتقرأ كتبهم أو لتتلمس أنفاسهم في التلة العالية.