لطالما ظل غناء رباب لقصيدة "الأطلال" (إبراهيم ناجي - رياض السنباطي) ملفتاً فقد اختلفت النسخة التي كانت بصوتها عن نسخة أم كلثوم عام 1966 ورياض السنباطي عام 1973 فعندما سجلتها عام 1989 وقعتها بأسلوبها الخاص. يستغرب أن تختار رباب إعادة غناء هذا العمل دون أن تفكر بعمل خاص بها، ويوجد في الكويت من الملحنين ذوي القدرة والخبرة مثل أحمد باقر وغنام الديكان أو على سبيل المثال غازي علي وجميل ومحمود عوضاً عن ظهور جيل جديد تمثل في البحرين بخالد الشيخ وعارف الزياني دون غفلة أعضاء فرقة أجراس وملحنيها مثل: خليفة زيمان ومحمد باقر. واختيار رباب لهذا العمل يعيد تذكر اختيار (ويقال إنها بترشيح من أحمد العدواني) عالية حسين لغناء "حب الوطن"، وهي من أغنيات محمد عبد الوهاب، وحدث أن تغنت بعض الحناجر الكويتية بأغنيات عربية مثل غناء صالح الحريبي لطقاطيق مصرية بينما اختار غريد الشاطئ غناء ألحان فيلمون وهبي لوديع الصافي، وهو تواصل ثقافي في ظاهره إلا أننا لا نستطيع غفلان الدوافع والظروف المحيطة التي تدفع إلى ذلك، فإن صالح الحريبي غنى "دقوا المزاهر" في مسلسل "درب الزلق-1977" فيما غنى غريد الشاطئ ألحان فيلمون وهبي احتفاء بزيارته إلى الكويت آنذاك. يبدو أن رباب أرادت أن تصيب أكثر من هدف، فالأول خوض تحدي القدرة على أداء قالب غنائي عربي ذي جمالية وصعوبة متمثل في قالب القصيدة الرومانسية، والثاني هو تواصل الأذن العربية عبر أرشيفها المكرس، ولا أدل منذ ذلك على ألحان رياض السنباطي وأثرها في تشكيل مسيرة المغنية أم كلثوم إلا أن أرشيفه الحقيقي يتجاوز تعاونه معها وصولاً إلى توازي الغناء العربي بين ملحنيه وشعرائه، خاصة، تجربة السنباطي وعبد الوهاب. فقد استمر تزويد أرشيف غناء القصيدة العربية منذ ذروتها الرومانسية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين حيث برع فيها تلحيناً وغناء مجموعة كبيرة من الملحنين والحناجر العربية في مصر، ويذكر تلحيناً وغناءً لمحمد عبد الوهاب (الجندول 1939 لعلي محمود طه، الكرنك 1941 لأحمد فتحي، كليو باترة 1944 لعلي محمود طه)، ولور دكَّاش (أغاريد 1946 لأحمد فتحي، القمر العاشق 1949 لعلي محمود طه)، ولحن محمد القصبجي من شعر أحمد فتحي لإبراهيم عثمان (شدا وترنم صداها 1940)، ولنجاة علي (عتاب 1943). أما رياض السنباطي قدَّم بصوته لأحمد فتحي (طيور المساء 1940، فجر 1944، أشواق 1941، همسات 1941)، وبصوت غيره مثل: أسمهان (حديث عينين 1938 لأحمد فتحي، وداع الحبيب / أيها النائم 1942 لأحمد رامي)، نور الهدى (مولاي حبك 1943 لأحمد رامي، إلى الحبيبة 1952 للأخطل الصغير)، وصولاً إلى سعاد محمد (نداء الليل لمحمود حسن إسماعيل، حنان النشوة لصالح جودت، انتظار لإبراهيم ناجي)، ومن شعر إبراهيم عيسى لكل من وردة (لا تقل لي 1980)، وعزيزة جلال (من أنا 1980)، ومن شعر جوزف حرب لفيروز (أمشي إليك، بيني وبينك) غير أنهما لم يسجلا لضعف اللحنين وصياغتهما. غير أنه يتناسى أن كثيراً من الجيل التالي للسنباطي وعبد الوهاب وضعوا ألحاناً مهمة لقصائد تلك المرحلة وربما يكون لأحدهم الفضل في تنبيه كلا الملحنين الكبيرين إلى ذلك الشعر الجديد، خاصة أن الإذاعة طلبت الكثير من قصائد الشاعر أحمد فتحي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وكلَّفت ملحنين وحناجر لتسجلها مثل جلال حرب (الأمل 1939، ضفاف النيل 1942، على البحيرة 1943)، عبد الغني السيد (هل تذكرين 1941)، وحليم الرومي (مناجاة في الفجر 1940) كما أنه وضع لحناً لقصيدة (اذكري عهدنا 1941) لرجاء عبده بينما اختارت ولحنت المطربة ملك محمد (استرحام 1941). يتبع..