حول التكامل بين المحاماة والقضاة، يرى القاضي السابق أحمد الصقيه أن «ما تملكه المحاماة من مرونة تمكنها من ممارسة دور أسبق من غيرها من المؤسسات الرسمية في قضايا كثيرة ومهمة ترتبط بالوعي الحقوقي ونشر الثقافة القانونية، وترسيخ قيم العدالة والإنصاف، ودعم البحوث المتخصصة، والإفادة من الوسائل البديلة لفظ المنازعات كالتحكيم والوساطة والتوفيق والصلح وغير ذلك، وهذا ما يسميه البعض بالدور الطلائعي للمحامين ومكاتب المحاماة، لا سيما أنهم المعنيون بذلك، والقادرون عليه من بين جميع تكتلات المجتمع المدني». ويضيف «هناك نسب كبيرة من القضايا في عدد من محاكم العالم، تم إنهاؤها قبل الوصول إلى القضاء بفضل هذا الدور، ما يجسد العلاقة الإيجابية بين المحاماة والمؤسسات القضائية، لإنهاء النزاعات قبل وصولها إلى المحاكم، بل وحتى قبل قيامها من خلال دورها الوقائي». لكن يشير الدكتور أحمد إلى جدلية مهمة في العلاقة بينهما، فحواها «أن الجدل يثور في فهم أصل فكرة التكامل في العلاقة بينهما، وهل يعني ذلك اعتبار المحامين من أعوان القضاة، ومنحهم حصانة خاصة، وتمييزهم عن سائر الخصوم الذين تجيز الأنظمة، ترافعهم عن أنفسهم أو غيرهم؟ أم أن المقصود تكامل يلقي بأمانة السعي إلى تحقيق العدالة والدفاع عنها على عاتق الجميع من القضاة والمحامين، كلٌ في ما يخصه فحسب، من دون أن يسعى إلى إخراج المحامي عن كونه خصماً، له ما للخصوم وعليه ما عليهم؟» ويشير المحامي الصقية «أنه باستعراض الواقع في المشهد القضائي السعودي نلحظ صدور نظام المحاماة الذي تضمن تنظيماً لكثير من الحقوق والواجبات، وهذا التنظيم إن جاء متأخراً، وذلك في عام 1422ه، إلا أنه أسهم بفاعلية في دفع المحاماة نحو مزيدٍ من الاحترافية والمهنية في الساحة القضائية السعودية» ومن واقع تجربة، يشير أستاذ القانون بقوله: «أجريت استفتاء في شريحة من القضاة، ولاحظت أن معظمهم يرغب في أن يكون من يترافع أمامهم من المحامين المؤهلين، وذلك نظراً لخدمة المحامي للقضية من خلال تحرير الدعوى وعرض المستندات بطريقة دقيقة وتقديم الإجابات في شكل وافٍ. وفي دراسة لمجموعة الأحكام والمبادئ التجارية التي يعدها ديوان المظالم وجدت أن أكثر من 90 في المئة من أطراف الدعوى لا يحضرون أصالة بل يتابعون قضاياهم من خلال المحامين والوكلاء». ويختم ضيفنا بقوله: «لذا، لا بد من تأهيل وتدريب القضاة والمحامين لرفع كفاءتهم وتحقيق قدر كبير من الانسجام بينهم، لا سيما مع وجود القضاء المتخصص وتنوع القضايا، فأي إصلاح أو تطوير لا يأخذ بعين البصيرة والاعتبار رفع مستوى القائمين على مرفق القضاء والمستفيدين منه، لن يحقق أهدافه، ولذا، فإن التطوير يجب أن يشمل الجميع، كما يجب أن يمتد إلى تجسير الفجوة بينهم وتعزيز الثقة في ما يتولونه».