مهما كان المرء مكابراً، ويعتبر نفسه على قدر كبير من التشاؤم بصدد الأحداث المتلاحقة في العالم العربي، على الأقل منذ اندلاع ما سمّي لاحقاً بالربيع العربي الذي سرعان ما أضحى خريفاً كئيباً، لا بد له من الإقرار بأن ثمة أموراً كثيرة تبدلت في الخرائط الاجتماعية وحتى السياسية، ولو أن التبدّل لم يجر دائماً نحو الأفضل. المهم في الأمر أن هناك تبدلات حقيقية لا بد من رصدها وتحليلها. والحال أن الشاشات الصغيرة إنما هي المكان الأفضل والأوضح لرصد هذه التبدلات بغثّها وسمينها... غير أن ثمة في المقابل ما لا بد من الإشارة إليه بين الحين والآخر، لعل في الإشارة ما ينفع ويدلّ على درب تسير نحو الأفضل. وما نعنيه هنا، يتعلق تحديداً بأمر مرتبط بتلك الشاشات... إذ هنا، وفي مجال محدّد، لا بد من الإقرار بأن ثمة أموراً كثيرة تبدو عصيّة على التغيير... ولعل من أبرزها شيئين نخصهما بالإشارة في هذه العجالة من دون أن نقترح أنهما يشكلان وحدهما لبّ الثبات والجمود في هذا المجال. الشيء الأول هو عبارة «أليس كذلك؟» التي صارت أكثر وأكثر علامة فارقة في معظم الأسئلة التي يطرحها، بخاصة، مقدمو ومذيعو برامج الحكي السياسي على معظم الشاشات العربية – مع حصة أسد تعود إلى الإعلامي المخضرم حسن معوض على «العربية»- وفحوى هذا أن السيد المذيع – أو السيدة المذيعة، لا فرق – ينطلق في سؤال يوجهه إلى ضيفه في الأستديو أو ضيفه على الهواء، هو عبارة عن أطروحة حاسمة جازمة ينهيها بالسؤال الخالد: «أليس كذلك؟». وهنا أمام مثل هذا السؤال الذي يبدو واضحاً أن السائل يريد منه أن يؤكد فكرته بصرف النظر عما إذا كان الضيف موافقاً أم لا، بالكاد يُعطى هذا الأخير فرصة ليجيب قائلاً إن الأمر قد لا يكون كذلك. أما المذيع فيبدو هنا وكأنه خريج أقسام التحقيقات في أقبية الاستخبارات العربية! أما الشيء الثاني فيكاد يكون مرتبطاً بالأول.. أو مستكملاً له، وفحواه أنه على رغم اعتكاف الإعلامي الصديق علي حمادة، وتبدّل برامج الصديق الإعلامي الآخر نديم قطيش – للأفضل بالتأكيد!- لا تزال تطغى آفة في أساليب «الحوار» بين الضيف والمضيف في برامج الحكي السياسي نفسها، وهذه الآفة هي الطول الزمني المبالغ فيه للأسئلة المطروحة. فهنا حين يبدأ صاحب البرنامج طرح سؤاله، لا يبدو أبداً أنه على وشك الانتهاء، مستطرداً مستطرداً حتى ولو توقف لالتقاط أنفاسه... علماً بأنه يحدث غالباً للضيف أن يعتقد عند لحظة الالتقاط هذه، أن مضيفه أنجز طرح السؤال، فيفتح فمه ليجيب... غير أن المذيع يستطرد في مناجاة استكمالية تتشعب معها الأسئلة وقد يعلن انتهاء «الوقت المخصص» من دون أن يكون الضيف باشر في الإجابة. هذان أمران لم يتبدلا، فهل الأمر في حاجة إلى ألف ألف ربيع ومئة ثورة قبل أن يحدث هذا؟