كانت الصورة هي الحدث في القمة العربية في الدوحة أمس. صورة غير مسبوقة. قاطعة. وقاسية. ليس بسيطاً أن يتقدم وفد المعارضة السورية، وعلى دوي التصفيق، ليشغل مقعد بلاده في القمة. وليس بسيطاً أن يجلس معاذ الخطيب وراء علم الثورة لا علم الجمهورية السورية التي نعرف منذ عقود. وليس بسيطاً أن أياً من قادة الوفود لم يغادر القاعة. لم يكن من عادة القمم العربية أن توجه هذا النوع من الرسائل إلى النظام الحاكم في دولة عضو. لم تكتف بتكريس المقعد الشاغر. ذهبت أبعد ومنحته لوفد يمثل الثورة السورية. لا بد من الالتفات إلى أن الصورة تتعلق بما يجري في دولة عربية أساسية. كانت سورية شديدة الحضور في القمم العربية بعدما ساهمت في تأسيس الجامعة. وكان من الصعب على المشاركين تجاهل موقفها حتى في المواضيع التي لا تمسها كدولة. كان لها حق النظر، وربما حق النقض، في كل ما يتعلق بلبنان وفلسطين وملفات أخرى. كانت الصورة كثيرة الدلالات. إنها رد عربي صارم على عودة الأخضر الإبراهيمي صفر اليدين من زيارته الأخيرة إلى دمشق. وعلى الخسائر البشرية والمادية المذهلة التي تلحقها آلة النظام العسكرية بالمدن والقرى وسكانها. وعلى استمرار الدعم الروسي والإيراني للنظام ما ينذر بتحويل المواجهة الدائرة على أرض سورية إلى مبارزة داخلية وإقليمية ودولية تهدد ما تبقى من سورية وتهدد وحدتها أيضاً. جاءت الصورة في سياق قناعة متزايدة لدى أطراف عربية وغربية أن النظام السوري ليس في وارد قبول تسوية سياسية إلا إذا أرغم عليها. هكذا اتخذ قرار السعي إلى تعديل ميزان القوى لمصلحة الثورة. وترجم القرار بالعودة إلى التمويل والتسليح من جهة وباستكمال نزع الشرعية عن النظام من جهة أخرى وهو ما بدأته صورة البارحة. جاءت الصورة أيضاً في وقت تحدث فيه «الجيش الحر» عن نجاحات يحققها في جنوب البلاد أي في الخاصرة الأخطر على عاصمة النظام. كما جاءت في وقت صار تساقط القذائف في قلب دمشق نفسها حدثاً شبه يومي. الصورة حدث فارق يعني كل أطراف المواجهة في سورية. لا بد من الانتظار لمعرفة كيف ستقرأ دمشق الرسائل المتضمنة في ترؤس الخطيب وفد سورية إلى القمة. ماذا ستستنتج دمشق وهل لديها خيار آخر غير ما تفعله حالياً وهو خيار ينذر بأثمان باهظة للمتمسكين به؟ كيف ستقرأ طهران الصورة التي ترافقت أيضاً مع اتهام أجهزة استخباراتها بإدارة شبكة تجسس على الأرض السعودية؟ هل ترى في الصورة إصراراً على اقتلاع موقعها في سورية وسد طريقها إلى لبنان؟ وهل تستنتج أن وقت التراجع أو التعديل قد تأخر؟ وماذا سيقرأ «حزب الله» في الصورة وهل يستطيع لبنان احتمال مزيد من الانخراط في النزاع السوري من «حزب الله» وآخرين؟ وماذا يقرأ نوري المالكي في الصورة بعدما فضل أن يشاهدها من بغداد؟ وماذا ستقرأ موسكو في الصورة خصوصاً أن الخطيب تحدث عن تطلع المعارضة إلى شغل المقعد السوري في الأممالمتحدة والمنظمات الدولية؟. لا بد أيضاً من السؤال عما ستفعله المعارضة السورية بالنجاح الذي حققته أمس. هل تقع في إغراء الرهان على الضربة القاضية أم تسعى إلى تعديل ميزان القوى لفرض تسوية تحفظ ما تبقى من الدولة السورية ومن فرص التعايش بين المكونات؟ هل توظف الثورة هذا النجاح لبلورة توافق واسع يطمئن القلقين في الداخل والخارج من تنامي الانقسامات وتضارب التصورات وتزايد نفوذ المقاتلين الجوالين؟. المتابع لمجريات الأحداث السورية ينتابه قلق جدي من أن يكون ما بعد الصورة أشد قسوة وهولاً مما شهدناه قبل التقاطها. ثمة من يتحدث عن معركة رهيبة ومدمرة في دمشق تضخ أمواجاً جديدة من اللاجئين ونهراً من الجنازات والمجازر. ثمة من يعتقد أن ما رأيناه، وهو فظيع، ليس سوى عينة مصغرة مما يمكن أن نراه. أغلب الظن أن ما بعد الصورة سيكون أفظع مما قبلها. دخلت الثورة السورية الفصل الأصعب والأخطر. واضح أن الدول المجاورة تسعى إلى ربط الأحزمة. قد تكون الصورة نذيراً باقتراب موعد الزلزال. ولا شيء يمنع تطاير الحمم السورية إلى ما وراء الحدود الدولية. وبانتظار الأهوال التي تلوح في الأفق يجدر بأفرقاء المواجهة الاحتفاظ برقم هاتف رجل اسمه الأخضر الإبراهيمي فقد يحتاجون إليه لإقرار التغيير وضبط الخسائر والمجازر.