حمل الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس إلى اجتماع الفرصة الأخيرة أمس في بروكسيل مع الجهات الدائنة الأوروبية، عشية المهلة التي حددها البنك المركزي الأوروبي بوقف مدّ مصارف الجزيرة بالسيولة، مشروع حلّ لتأمين مبلغ 5.8 بليون يورو ذاتياً، كشرط للحصول على المساعدة الأوروبية البالغة 10 بلايين يورو. وهذا المشروع وفق مسؤول قبرصي كبير، واستناداً إلى وسائل إعلام قبرصية، هو حصيلة اتفاق توصلت إليه نيقوسيا مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وقضى بفرض ضريبة نسبتها 20 في المئة على الودائع التي تزيد على 100 ألف يورو (130 ألف دولار) في «بنك قبرص» الأكبر في البلاد، وأخرى نسبتها 4 في المئة على الودائع بالقيمة ذاتها في المصارف الأخرى. وأكد الرئيس القبرصي، ثقته في «القدرة على تجاوز أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلد». وشدد في رسالة تلاها أحد الوزراء في مراسم جنازة أحد أبطال استقلال الجزيرة (1955-1959)، نقلتها وكالة الأنباء القبرصية، على «الثقة في صمود الدولة القبرصية وتصميمها، ويقيني أننا باتخاذ قرارات جماعية ومسؤولة سنحقق النجاح». وأوضح أنه ورث دولة «في حال إفلاس غارقة في أزمة اقتصادية لا تستثني أحداً». وقال «أدرك جيداً ما يعانيه القبارصة من مرارة وغضب»، موجهاً نداء إلى «الوحدة»، وداعياً إلى ضرورة «تركيز اهتمامنا على طريقة مواجهة الأزمة أكثر من البحث عن المسؤولين عنها». ويسعى الرئيس القبرصي إلى إقناع بروكسيل، التي وصل إليها بعد ظهر أمس، ب «جدية الخطة المقترحة لجمع مبلغ 7 بلايين يورو (أكثر من ثلث الناتج الداخلي)، الذي تطالب به منطقة اليورو في مقابل الحصول على قرض بقيمة 10 بلايين يورو. والتقى في مقر المجلس الأوروبي مع الوفد المرافق رئيسه هرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو ورئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي ورئيس مجموعة اليورو يروين ديسلبلوم، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. وتلاه اجتماع في المساء لوزراء مال منطقة اليورو في محاولة للوصول إلى اتفاق اللحظة الأخيرة لإنقاذ قبرص من الإفلاس وتجنيبها الخروج من منطقة اليورو. وكان أُعلن في ختام اجتماع انتهى في ساعة متقدمة من ليل أول من أمس، مع مسؤولي الأحزاب السياسية، أن المفاوضات «باتت في مرحلة دقيقة جداً، والوقت محدود». وانتقد مسؤول قبرصي، في تصريح نقلته وكالة الأنباء القبرصية، موقف صندوق النقد الدولي «المتشدد»، مؤكداً أن «ممثله كان يقدم مطلباً جديداً كل نصف ساعة». ومع استمرار إقفال المصارف في الجزيرة منذ أسبوع، ازدادت مشاعر الغضب أو الخوف لدى المودعين من تبخّر مدخراتهم أو أموال تقاعدهم. وهدّد رئيس الاتحاد القبرصي لموظفي المصارف لويزوس حجيكوستيس خلال تظاهرة عصر أول من أمس، حشدت المئات من الموظفين القلقين على وظائفهم وصناديق تعويضاتهم أمام القصر الرئاسي والبرلمان في نيقوسيا، ب «بدء تنفيذ إضراب الثلثاء، في حال عدم ضمان صناديق التقاعد». وكُتب على جدران المقر العام لحزب الرئيس أمس، كلمات مثل «لصوص» أو «اخرج». وأكد الرئيس القبرصي على تويتر عشية سفره إلى بروكسيل، «العمل بقوة لإنقاذ الاقتصاد، وبذل كل الجهود الممكنة». وأفادت مصادر أوروبية، بأن دول منطقة اليورو «مستعدة لإخراج قبرص منها، في حال عدم التوصل إلى اتفاق قبل الاثنين (اليوم)، تفادياً لانتقال العدوى إلى دول أخرى، ترزح تحت أعباء الديون مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا». وأكد وزير المال الألماني ولفغانغ شويبله مجدداً، أن بقاء قبرص في منطقة اليورو «رهن بمشروع خطة الإنقاذ». وقال في حديث أمس لصحيفة «فلت أم سونتاغ»، «عندما تتأكد الترويكا من وجود مشروع يأتي بحل لمشاكل قبرص ويكون مطابقاً للقواعد، فستدرس مجموعة يوروغروب هذه المسألة». وأضاف «من الشروط المطلوبة عدم شمول الحلول المطروحة الودائع التي تقل عن مئة ألف يورو». ورأى أن على المسؤولين القبارصة «قول الحقيقة لشعبهم. لم نقترح أبداً إقحام المدخرين، والموقف الألماني هو ذاته موقف صندوق النقد الدولي». وخلص لافتاً إلى أن «أمام قبرص مساراً صعباً، ليس بسبب التشدد الأوروبي بل بسبب نموذج اقتصادي بات سيئاً». وأمام تهديد انهيار الاقتصاد، تبنّى النواب القبارصة، التدابير الأولى المرتبطة بالخطة الجديدة وتقضي بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإنشاء صندوق تضامن والحد من تحرك رؤوس الأموال لدى إعادة فتح المصارف غداً. وأفادت مصادر قريبة من المفاوضات في بروكسيل، بأن الخطة الجديدة تتضمن إعادة هيكلة «بنك قبرص» و»لايكي بنك» ودمجهما في مصرف جديد مع أصول سليمة. وينص قانون إعادة الهيكلة الذي صوّت عليه البرلمان، على تجميد الودائع في «لايكي بنك» التي تزيد على 100 ألف يورو. وأشارت وسائل إعلام محلية، إلى أن الضريبة المرتقب فرضها على أصحاب الحسابات الضخمة في «بنك قبرص»، يمكن أن تُعوض بسندات خزينة، ما سيجنب تصويتاً في البرلمان. وللتفرّغ لأزمة قبرص، قرر فان رومبوي وباروزو، تأجيل قمة الاتحاد الأوروبي واليابان، التي كان مفترضاً عقدها مطلع هذا الأسبوع في اليابان، وأوضحا أن «الجهود الحالية لإيجاد حل للوضع المالي في قبرص تتطلب وجودهما في بروكسيل».