مع موجة الربيع العربي، وكثرة التطلع للرقي والتغيير من شريحة واسعة من الشباب، كثيراً ما نلاحظ في حديث الشارع السعودي أن يبرر فعل أي شخص قام بسلوك متخلف على أنه «سعودي»، وفي الوقت نفسه قد يدافع البعض عن نفسه إذا وضع محل اتهام، بقوله «لست مثل السعوديين»... إحدى قريباتي تفعلها بشكل مستمر، كلما تأخرت في موعد كان بيننا فتبرر عدم التزامها بالموعد بقولها «أنا سعودية، ولذلك عليكِ أن تعذريني»، والمفهوم من هذه العبارات أن تخلف السلوك الذي يمارسه الفرد في مجتمعنا يناط بهويته، غير أن الفرد في بعض الصور يتهرب من أخطائه ليعلقها على شماعة المبرر الذي ذكرت، وهذا الشعور الذي يتنامى وقت الهزائم يعتبر كمحاولة للتغلب على الفشل ليس بمواجهته إنما بالهروب منه، وقد أجد في هذه النماذج صوراً تندرج تحت توصيف «جلد الذات»، وفي ظل عجز الإنسان عن اكتشاف مواطن الضعف، أو القوة في نفسه، فلا شك أن كل هذه التعبيرات تنتج عن رغبة دفينة للحصول على حال أفضل، ولكن إذا كانت الهزيمة هي الدافع لمثل هذا التعبير، فتحقيق الغاية منها لا يتجاوز الانحسار بداخلها، وانعدام الرؤية وفقدان الطموح. في كل مره تتعرض الهوية إلى تحديات وردود أفعال يبدأ هاجس الخوف على حالها، وأعني من هذا أن الهوية في أزمة، وهي تلك الأزمة التي يؤدي فيها تساؤل الفرد في نفسه، بقوله: «من أنا»، إلى اهتزاز في كل مفاهيم الفرد عن تصوره لذاته، وهذا يعطي دلالة على وجود مؤشر خطر، طالما أن الفرد يبحث عن طريقة يحقق من خلالها كيانه بشكل بعيد من التصاق هويته به، فهو ينفصل عنها ويطمح إلى إيجاد قيمة ومعنى لوجوده، ولكن على طريقته وبدافع حاجاته، وفي الوقت نفسه يريد أن يعبر عن نفسه إنطلاقاً من الذاتية، بينما لا يريد أن يقدم نفسه من خلال هويته. لا تقتصر هذه الأزمة على المراهقين، فحسب ويمكن أن نلاحظ أن الراشدين أيضاً يعانون منها، وقد يظهر الكثير من الناس من خلال تعبيراتهم حين يتكلمون عن الأصالة والماضي والتقاليد ومقدار تمسكهم بها ومن جانب آخر يتطلعون للتغيير ويجعلونها بطريقة غير مباشرة أسباباً رئيسة لتخلفهم وتأخرهم، وفي صورة أخرى نرى الكثير من الشباب يقف عند تقاليده وما تربى عليه، بينما يشبع دوافعه وحاجاته في التعلم من الغير وتقليد النمط الحضاري - سواء العربي أو الغربي - في أشكال وأساليب الحياة المختلفة في المأكل والملبس وغيرهما، وهم في رأيي لا يظهرون بازدواجية بقدر ما أراهم يفتقدون للهوية في ظل ضياع الفكر والهدف الذي كان من المفترض أن يجمعهم ويوحدهم. الهوية هي التي تجعل الفرد يشعر بالتميز في ظل ما تجمعه في شخصيته من الانتماءات المتكاملة، فتشعره بالأمن والاستقرار إزاء تعدد الانتماءات والمرجعيات الأخرى من حوله، ولكن حينما يتساءل الفرد عن الهدف فهو بالضرورة يريد أن يشعر بمعنى لوجوده، وإذا تمكن من ملاحظة أن جميع القيم السائدة من حوله بدأت تصفر وتذبل ولم تعد تتناسب مع تطلعاته، فهو بالتأكيد سيبحث عن طريقة تلبي له هذا الاحتياج، لكن الكثيرين يفتقدون للطريقة الموضوعية وقراءة النفس والمحيط بشكل جيد بعيداً من الوقوع في الصراع النفسي، فعليهم أن يواجهوا التحديات بطريقة تصحيحية في ظل الاستفادة من الأخطاء، لأن النقد الهادف للذات هو أول خطوة على طريق التغيير الإيجابي، باعتبار الوعي هو الحافز لكبح تداعيات الشعور بالهزيمة النفسية والفشل من الواقع، ما يصنع لدينا قدرة على المقاومة التي تعبر عن الإيمان الصادق والرغبة الحقيقية في التغيير والنجاح في إيجاد الهدف وبالتالي القدرة على تحقيقه. [email protected] @alshehri_maha