في منتدى جدة الاقتصادي كان التركيز والبحث والاستماع والمتابعة الأكبر من نصيب وزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي. وقد أجاد الوزير الضويحي في عرض خطط وزارته، وعرض تفاصيل مهمة في استراتيجية الإسكان التي تزمع وزارته إطلاقها. وحرم غياب وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب - على رغم وجود اسمه وصورته كأحد المتحدثين - الحضور من سماع ما لدى الوزارة الأخرى المرتبطة بالإسكان، خصوصاً أن المشكلة في لبها وأصلها هي مشكلة أراضٍ، وما عدى ذلك فهو تفاصيل. أبرز ما قاله شويش، هو اعترافه بمشكلة نقص الأراضي وارتفاع أسعارها وسعي وزارته لتوفير أراضٍ مطورة، وإشارته لاستخدام ضريبة الأراضي البيضاء لحل «الأزمة». مداخلتي في المنتدى التي ربما فاجأت وزير الإسكان هي «أنه بعد كل حديث وخروج إعلامي لوزير الإسكان يرفع هوامير الأراضي أسعارها بما لا يقل عن 100 ريال للمتر الواحد»، فالوزير في كل خروج يركز على دعم جانب الطلب، وتسريع القروض، والقرض المعجل، والقرض الإضافي، إضافة إلى ما تقدمه المصارف التجارية وغيرها من قروض، وهي ما يعني مزيداً من السيولة في السوق، والنفخ أكثر للأسعار، من دون التفات إلى حل لب المشكلة الذي هو محدودية عرض الأراضي وفك الاحتكار ومنع المضاربة عليها أولاً، من خلال تطوير مخططات، أو فرض ضريبة، أو زكاة، أو السماح بالتمدد الرأسي، وهو - أي زيادة العرض- وهو ما سيحل المشكلة، وليس توفير السيولة الإضافية لجانب الطلب، الذي تركز عليه وزارة الإسكان كثيراً. يا وزير الإسكان إن زيادة التمويل لا تعني سوى صب مزيد من الزيت على النار، وما لم تحل مشكلة العرض أولاً التي هي أصل المشكلة فلن تنفع كل الخطط والاستراتيجيات والمحاولات. وكل دعم إضافي للطلب هو تضحية غير رشيدة بأموال الحكومة وتكبيل لظهور الناس بالقروض ونفخ لأسعار نتجت من وضع غير طبيعي وغير صحي وغير سليم. يا وزير الإسكان، لقد اعترفتم في اللقاء بأن المشكلة هي عدم كفاية الأراضي والمخططات، وكل الرجاء والأمل أن تعملوا لحل هذه المشكلة، وتوقِفوا أي عمل لزيادة التمويل، فالتمويل ليس المشكلة، ودعمه لن يحل المشكلة، ورواتب الناس ودخولها لا يتحملان المبالغ الخيالية التي وصلت إليها أسعار العقار. في ما يأتي، أعرض بعض المقترحات المرتبطة بحل موضوع العرض، عسى أن تجد آذاناً صاغية من الوزير، ووزير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب. أولاً: البدء فوراً بفرض ضريبة الأراضي البيضاء، التي تقرها استراتيجية الإسكان على كل أرض مخدومة لم تبن داخل النطاق العمراني. ثانياً: إعادة النظر والسماح بالتمدد الرأسي في المدن الكبرى بلا قيد أو شرط، سوى الشرط الهندسي. ثالثاً: إنشاء مركز موحد في الوزارة وفروعها الرئيسة لإنهاء خدمات العقار في نقطة واحدة. فالملاحظ حالياً كثرة شكوى المطورين من تعدد الجهات وصعوبة شروط بعضها، وبيروقراطية تعاملها، وهو ما يؤخر تطوير المخططات وزيادة عرضها. رابعاً: إزالة كل مكاتب العقار المتنقلة، التي تنبت كالطحالب في كل مخطط جديد، وكل ما تفعله إعادة تدوير الأرض، ورفع السعر مرة بعد أخرى. خامساً: تحديد نسبة معينة، ك30 في المئة مثلاً، كحد أعلى لأرباح الأراضي، بحيث لا تفرغ أي أرض تباع بما يزيد على هذا الهامش (يتم ذلك من خلال الشيكات المصدقة لبيع وشراء الأراضي). سادساً: تولي وزارة الإسكان تطوير أراضي المنح - التي منحت للمواطنين من وزارة الشؤون البلدية والقروية أو من الديوان الملكي- وتقع خارج النطاق العمراني بأسرع وقت، بما يزيد العرض ويخفض الأسعار. فالملاحظ أن هذه الأراضي لا تدخل في العرض لأعوام طويلة لعدم وصول الخدمات إليها، على رغم حاجة السوق الملحة إليها. سابعاً وأخيراً، الاتفاق مع هيئة مدينة الرياض ووزارة النقل، لجعل امتداد النقل بالقطارات، يصل إلى حريملاء ورماح والخرج والمزاحمية، بحيث لا يحتاج سكان هذه المدن إلى الانتقال والسكن في الرياض، طالما يستطيعون خلال 20-30 دقيقة الوصول إلى مقر أعمالهم في الرياض، والعودة بالسرعة نفسها، والنقطة الأخيرة يمكن تعميمها في المناطق حول المدن الرئيسة في كل من الدماموجدة. واختم بأنه ما لم تحل مشكلة العرض أولاً، فلن تؤدي سياسة تعزيز الطلب إلا إلى مزيد من نفخ الأسعار ومضاعفة الأرقام وكثرة التدوير. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. ibnrubbiandr@