لا صوت يعلو في السعودية على صوت الداعين إلى حلّ «أزمة السكن». كيف تتملك «مسكناً» من الصفر؟ سؤال يدور في أذهان السعوديين بكل طبقاتهم الاجتماعية، من دون أن يجدوا إجابات عنه. سؤال بات يتصدر اهتماماتهم، ويشاركهم يومياتهم، ويقض مضاجعهم، وتلوكه ألسنتهم أكثر من السؤال الدارج تداوله عالمياً بين الشعوب: كيف تصبح مليونيراً من الصفر؟ (للمزيد) وعلى رغم بساطة السؤال، فإن المشهد السعودي لم يسجل خلال الفترة الماضية اختراقاً أو تحركاً مؤثراً يمنح بارقة أمل في حلحلة خيوط «الأزمة»، ولا حتى تجرأ أحد من «جهابذة» العقار على طرح «خريطة طريق»، تمنح اللاهثين وراء كنز «المسكن» فرصة الوصول إلى جزيرة «بيت العمر» بسلام، وما يجعل رحلة الصفر تلف وتدور وتعود إلى الصفر ذاته. وفي المقابل، فإن المشهد العقاري في السعودية بحسب عدد من المراقبين يرسم مستقبلاً مظلماً، تتغير فيه الأرقام، وتتلاشى فيه الأحلام، وتزداد المشكلة عمقاً وتعقيداً، في حين يبقى سيناريو «فوضى» الانتقادات، وتقاذفها بين القطاعين الحكومي والخاص حاضراً بقوة من دون الوصول إلى حلول جذرية. نجاح بعض الدول في تحقيق تقدم معالجة هذا الملف مثل ماليزيا وسنغافورة، أعطى السعوديين الذين تصل نسب من لا يمتلكون «مساكن» منهم إلى أكثر من 60 في المئة، وفقاً لإحصاءات غير رسمية، الحق في وضع كل من وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الإسكان المعاد تشكيلها حديثاً مع المصارف الحكومية والخاصة، فضلاً عن «هوامير» الأراضي البيضاء، في قفص الاتهام باعتبارهم المتسببين الرئيسيين في تحول حلم «المسكن» الخاص إلى كابوس. وحتى ينقشع الكابوس «الجاثم» على صدور كثير من السعوديين، يرى المستثمر العقاري عبدالرحمن المطوع ضرورة «تضافر الجهود بين القطاعات المسؤولة ميدانياً، وذلك من طريق وجود قرارات سيادية صارمة، تتضمن استراتيجيات ناجعة، يتعاون على تفعيلها كل من وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الإسكان، إضافة إلى المصارف الحكومية والخاصة، بحيث تنظر إلى المواطن على أنه صاحب حق، وليس فرداً ضمن قائمة مستحقي الجمعيات الخيرية»، مشترطاً البدء بتقليم أظافر «هوامير» الأراضي البيضاء غير الفاعلين في الدورة الاقتصادية الطبيعية، وذلك عبر سنّ أنظمة وقوانين تدفع عجلة «التدوير»، وبالتالي خفض الأسعار. وبعيداً عن «الحلول» المرتبط تفعيلها مباشرةً بمستوى أداء الجهات المسؤولة عن إدارة أزمة «السكن»، يخشى السعوديون أن يلجأوا إلى محاكاة مشكلتهم مع «بيت العمر» في شكل مشابه لجيرانهم المصريين الذين وثّقوا معاناتهم عن طريق الأفلام السينمائية خلال فترة التسعينات الميلادية، منتظرين في الوقت نفسه «ربيعاً» سكنياً يطل عليهم بالخير، حتى لا يضطروا إلى توريث هذا الحلم لأجيالهم المتعاقبة. واكتفى وزير الإسكان شويش الضويحي في كلمته أمام المنتدى بالتعبير عن استشعار الوزارة بالقلق الذي يعيشه المواطن الذي لم تتح له فرصة تملك السكن، كاشفاً أن «استراتيجية الإسكان الجديدة تأخذ مبدأ فرض ضريبة الأراضي البيضاء في حسبانها». وشدد الضويحي على أن الوزارة تعمل مع مطورين على زيادة العرض الإسكاني في المدن الرئيسة، بما يخفض أسعار الأراضي المرتفعة حالياً. أخيراً في منتدى جدة الاقتصادي، طرح وزير الإسكان شويش الضويحي المشكلة أمام الجمهور، لكن المنتدى انتهى بلا توصيات، فسافر الوزير في رحلة عمل طويلة وربما شاقة، بحثاً عن الأراضي، ولا يزال السعوديون يتساءلون كيف يملكون مسكناً «وبيتاً للعمر»؟