لم يكد يمرّ شهر واحد على الهجوم المدمّر الذي شنّه تنظيم «القاعدة» في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون بالقرب من واشنطن، حتى قامت أميركا، التي شعرت بغضب وبسخط كبيرين، بشنّ هجوم على أفغانستان وغزوها. وكان الهدف معاقبة أفغانستان لأنها وفرت المأوى لتنظيم «القاعدة»، المجموعة الإسلامية المتطرّفة المسؤولة عن الهجوم الإرهابي المنقطع النظير الذي شُنّ على الولايات المتحدّة وأدى إلى مقتل حوالى 3 آلاف شخص. فأطلق الرئيس الأميركي جورج بوش الابن الذي بدا عازماً على الثأر، الحرب العالمية على الإرهاب. وشهدت بداية القرن الحادي والعشرين موجة عنف ومكافحة للعنف في ظلّ غياب أي إشارة إلى إمكان تراجعها بعد أكثر من اثنتي عشرة سنة. أدّت الحرب الأميركية على أفغانستان إلى تدمير هذا البلد وإلى قتل مئات الآلاف من المواطنين مع العلم أنّها لم تنته بعد حوالى اثنتي عشرة سنة على اندلاعها. ومن ثمّ، شنّت الولايات المتحدّة وبريطانيا هجوماً على العراق عام 2003. وكانت الدوافع خلف هذا الهجوم مخادعة لأن لا علاقة للعراق بإرهاب تنظيم «القاعدة». إلا أنّ المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل في الإدارة الأميركية، اغتنموا الفرصة بهدف تدمير بلد عربي بارز قادر على تحدّي هيمنة إسرائيل الإقليمية. وحين انسحبت الولايات المتحدّة أخيراً عام 2011 من هذا البلد، قُدّر عدد الضحايا المدنيين العراقيين الذين سقطوا بحوالى مليون شخص بينما بدا الدمار المادي هائلاً. وفيما يكافح العراق بهدف إعادة الإعمار السياسي والمادي المستعصية، وقع ضحية النزاعات السنّية - الشيعية التي تهدّد بتقسيمه من جديد. وفي عهد الرئيس باراك أوباما، استمرت الولايات المتحدّة في قتل المسلمين الذين اعتبرتهم عدائيين – في باكستان واليمن والصومال وفي أمكنة أخرى في أنحاء المعمورة - ولجأت إلى شنّ هجمات ضد أهداف بعيدة بواسطة الطائرات المقاتلة من دون طيار. وثمة عدد كبير من المدنيين الأبرياء من بين الضحايا الذين سقطوا، الأمر الذي أجّج المشاعر المناهضة للأميركيين في صفوف أقارب الضحايا وأصدقائهم. وهيمنت هذه الأحداث العنيفة التي اندلعت في أنحاء الشرق الأوسط – وبدأت تنتشر حالياً إلى منطقة الساحل في شمال أفريقيا – على السنوات الأولى من هذا القرن. بطريقة أو بأخرى، أدّى الهجوم الذي شنّه تنظيم «القاعدة» على الولايات المتحدّة في 11 أيلول إلى إشعال هذه الأحداث التي تمّ تبريرها علناً. لكنّ الواقع الذي لا مفرّ منه هو أنّ عدداً كبيراً من ضحايا هذه الحروب الثأرية هو من المسلمين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بتنظيم «القاعدة» ذهب ضحية الأحداث الأمنية حينها. على مرّ السنوات الاثنتي عشرة الماضية، تعرّض عدد كبير من المسلمين في بريطانيا وأميركا للتمييز والمضايقات وتمّ زجّهم على مدى سنوات في السجن من دون محاكمة لمجرّد كونهم مسلمين. ولم يأتِ أحد على ذكر الحرب السرية التي شُنّت ضدهم، لا سيّما لأنّ الرأي العام كان لا يزال يشعر بالغضب نتيجة عنف تنظيم «القاعدة». إلا أنّ مأساتهم – والوقع السيئ الذي خلّفه ذلك على زوجاتهم وعائلاتهم – استحوذ على انتباه الكاتبة البريطانية فيكتوريا بريتين وهزّ ضميرها. ويعد كتابها بعنوان «حياة الظل» الذي يتطرّق إلى الحياة المريرة التي خبرها ضحايا مكافحة الإرهاب، عملاً مؤثراً للغاية يحمل شغفها ويتضمّن كفاءتها ككاتبة للتحقيقات، وهو ما ساهم في شهرتها في صحيفة «الغارديان» البريطانية. تصف فيكتوريا بغضب كبير كيف أطلق جورج بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير عقب 11 أيلول «حملة ضد المسلمين» - بما فيها الحق في توقيف أو اعتقال أو ترحيل أي شخص حتى لو لم يرتكب أي جريمة إلى جانب فرض مراقبة شديدة على المساجد والمسلمين. وانساقت بريطانيا التي تعدّ حليف أميركا المقرّب وراء السلوك الذي حكم على عدد كبير من المسلمين الأبرياء بالسجن سنوات طويلة وعلى عائلاتهم ببؤس شديد. وكتبت فيكتوريا بريتين أنّ سجن غوانتانامو في كوبا شكّل «ركيزة رد الفعل على 11 أيلول ولا يزال رمزاً لتجاهل الحكومة الأميركية وحلفائها للمعاهدات الدولية التي أقرت منذ نصف قرن حول التعذيب وحقوق السجناء وتسليم المعتقلين بطرق غير قانونية ووجوه أخرى من القانون الدولي». وباسم الأمن القومي، تمّ تمرير قوانين مناهضة للإرهاب تسبّبت بظلم كبير. فتمّ اعتقال آلاف الرجال، معظمهم أبرياء، في إطار ما وصف ب «حملة اصطياد في أنحاء الشرق الأوسط وباكستانوأفغانستان ومن البوسنة إلى غامبيا». كما تمّ إرسالهم إلى غوانتانامو، وتمّ إبقاؤهم بمنأى عن القانون الأميركي من دون أن تتمّ محاكمتهم وفي ظروف تخرق في شكل فاضح القانون الدولي. كما تمّ غض النظر عن اتفاقيات جنيف. وتمّت ممارسة التعذيب في شكل واسع وممنهج. ووصفت الكاتبة كيف تمّ في غوانتانامو «تجريد الرجال من ثيابهم أمام النساء ووضعهم في مستوعبات باردة وإجبارهم على البقاء مستيقظين على مدى أكثر من 20 ساعة في اليوم» كما تمّ إخضاعهم لجلسات استجواب متكرّرة. وشكّل كتابها تنديداً كبيراً بوحشية الحرب على الإرهاب وحماقتها. وتمّ احتجاز معظم الرجال في سجن غوانتانامو من دون دليل كافٍ يدينهم. وكانوا ضحايا «مجموعة دعايات» أطلقتها حكومتا الولايات المتحدّة والمملكة المتحدّة وحلفاؤهما في وسائل الإعلام. وباتت إثارة الخوف من المسلمين مهنة. وقبل هجمات 11 أيلول، كان العرب والمسلمون في الولايات المتحدّة ضحايا ما سمّته الكاتبة ب «مناخ عام ومفتعل من الخوف... مرتبط أحياناً بأصحاب مجموعات الضغط الموالين لإسرائيل الفاعلة والمموّلة في شكل جيّد». ومن بين الحالات الكثيرة المؤلمة التي عرضتها فيكتوريا بريتين، بوسعي أن أذكر اثنتين. كان غسان العشي رئيس أكبر منظمة خيرية إسلامية في أميركا هي مؤسسة الأرض المقدّسة للإغاثة والتنمية الموجودة في تكساس. في شهر تموز (يوليو) 2007، تمّ اتهامه وأربعة من زملائه في المؤسسة بتقديم «دعم مادي» لحركة «حماس» التي اعتبرت منظمة إرهابية أجنبية. وكانوا قد أرسلوا 12 مليون دولار إلى قطاع غزة لمساعدة دور الأيتام والمجموعات الخيرية. وعلى رغم أنّ المجموعات التي كانوا يساعدونها ليست مدرجة على اللائحة الإرهابية لأي حكومة، اعتبر المدعي العام أنهم يشكلون جبهات لحركة «حماس». وتمّ الحكم على العشي بالسجن 65 سنة. وكان وقع هذا الخبر على عائلته ثقيلاً. وفي عام 2003، تمّت إدانة سامي العريان وهو أستاذ للهندسة في جامعة جنوب فلوريدا وعضو في حملات الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، بسبب تقديم «الدعم المادي للإرهاب». وفي عام 2006، وبعد أن أمضى حوالى ثلاث سنوات في السجن الانفرادي، برأه القاضي من نصف التهم الموجهة إليه فيما اختلف القضاة حول التهم الأخرى إذ عبّر 10 قضاة مقابل اثنين عن نيتهم تبرئته. وتقدّم بدعوى استئناف وتمّت الموافقة على ترحيله وكان يجب أن يتمّ تحريره في السنة التالية. لكن، تمّ الحكم عليه ظلماً حين لم يدلِ بشهادته في محاكمة أخرى. وعام 2009 أطلق سراحه وأجبر على تمضية حكم بالسجن في منزله ولم يتمّ السماح له خلال ثلاث سنوات بترك شقته سوى مرتين لحضور حفل زفاف ابنتيه. وفي بريطانيا تمّ اعتقال عدد كبير من الرجال عقب 11 أيلول في إطار هجوم استخباراتي عالمي على المسلمين. وتمّ اعتبارهم «خطراً على الأمن القومي» وتمّ إبقاؤهم على مدى سنوات في سجون أمنية بناء على أدلة سرية لم يتمّ الكشف عنها لمحاميهم ومن دون أن يتمّ استجوابهم أو محاكمتهم. وترى فيكتوريا بريتين أنّ «السجن لمدة غير محدّدة هو بمثابة تعذيب لهم وكأن الحياة توقفت لدى زوجاتهم الخائفات». يعد كتاب «حياة الظل» كتاباً مهمّاً سيثير غضباً محقاً لدى عدد كبير من القرّاء – أو سيجعلهم يذرفون الدموع. * كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط