للوهلة الأولى، لا يبدو قرار المعارضة الفنزويلية المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة قراراً حكيماً، إذ ان قلة قليلة من الشعب تفضّل مرشح المعارضة هنريكي كابريليس رادونسكي لخلافة هوغو تشافيز. وأدى مرشح أنصار الرئيس الراحل، نيكولاس مادورو، قَسَم اليمين رئيساً للبلاد، وبدت جنازة تشافيز وكأنها تحولت الى حملة انتخابية حضرها رؤساء دول أميركا اللاتينية. ويخشى رادونسكي تكرارَ الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2005، عندما امتنع التحالف المناهض لتشافيز عن المشاركة، وأُقصي عن «الجمعية الوطنية». لكن قرار رادونسكي المشاركة في الاقتراع ربما ارتكز إلى فهم أعمق للمجتمع الفنزويلي والإرث التشافيزي من الذي تكوَّن لدى المراقبين في الخارج. وينحو المؤيدون والمعارضون معاً إلى التركيز على اثنين من إنجازات تشافيز: الأول استعادته نوعاً من الكرامة لأكثرية الشعب الفنزويلي الذي سيطرت عليه ولفترة طويلة طغمة نخبوية فاسدة. أما الإنجاز الثاني، ويجري التطرق إليه كثيراً، فهو أن عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في فنزويلا هبط من الذروة الخطيرة التي وصل إليها في 2003، وهي 62 في المئة من عدد السكان إلى ما يعادل 28 في المئة في 2012. والزعمان- كما يعلم رادونسكي نفسه- صحيحان جزئياً. قلّص كل بلد- تقريباً- من بلدان أميركا اللاتينية مستوى الفقر لديه في العقد الماضي، وأسباب هذا التقدم معروفة جيداً: كان النمو الاقتصادي قوياً عموماً خلال هذه الفترة، واستفادت من ذلك البلدان المصدرة للسلع، مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا، يضاف إلى ذلك أن أكثرية الحكومات أدارت حساباتها إدارةً حصيفة في فترة النمو، وأفضى ذلك كله ليس إلى تقليص الفقر وحده، بل أيضاً إلى تضييق التفاوت في العدالة. ووفقاً لدراسة نشرت أخيراً، «التفاوت في الدخل انخفض في كل الدول الأميركية اللاتينية السبع عشرة، التي تمكن مقارنة بعض معطياتها ببعض». الفرق مع الحالة الفنزويلية يكمن في أن تشافيز أنفق ما يقدّر بتريليون دولار لتحقيق ما أنجزه نظراؤه بكلفة أقل وفي بلد لا يزيد عدد سكانه على واحد من ستة من سكان البرازيل وأقل من ربع سكان المكسيك، وهما الدولتان اللتان رغم ارتفاع الإنفاق الاجتماعي فيهما أيضاً أثناء تلك الأعوام، إلا أنه بقي في مستوى يقل كثيراً عن مستواه في فنزويلا. زد على ذلك أيضاً الغياب الكلي لتبعات «الاشتراكية البوليفارية للقرن الواحد والعشرين» (تدمير القاعدة الصناعية للبلاد، تصاعد العنف، انفجار الديون الخارجية وتضاؤل احتياطات العملات الاجنبية) أو حضورها القليل في بلدان تلك المنطقة. الإنجاز الآخر الذي يروِّج له أنصار الرئيس الراحل ترويجاً صاخباً (وهو أنه اتاح للفنزويليين الشعور بأن قائدهم يهتم بهم) يبدو أقدر على الصمود، ولكن ليس كثيراً. فرغم صحة أن فنزويلا بلد غني كانت ثرواته مستغَلة من النخب، لكن الصحيح أيضاً أن الفنزويليين تمتعوا قبل حكم تشافيز ب40 عاماً من الحكم الديموقراطي، وكانت شرائح واسعة من المجتمع تشعر، عن حق، بأنها مستبعدة عن الترتيبات الداخلية، فيما يسيطر حزبان على سياسات البلاد. لكن قسماً كبيراً من باقي السكان نما ليصبح جزءاً من طبقة متوسطة طموحة. الانقسام هذا موجود في البلاد أكثر من السابق. ربما ستبقى إنجازات تشافيز وشعبيته بعد رحيله، وبدلاً من التبادل البسيط بين النخب كما كان الأمر طوال عقود قبله، لعل ما حصل أثناء حكمه هو تطور القيادة السياسية لتبدو وتتحدث وتعمل، على غرار اكثرية الفنزويليين، وفي هذه الحالة لن يتطلب إلحاق مادورو الهزيمة بكابريليس رادونسكي جهداً استثنائياً. ومهما كانت التحسينات المتواضعة التي حصل الفنزويليون عليها، فهي بالتأكيد لا تساوي تريليون دولار. * وزير الخارجية المكسيكي السابق، عن «تايم» الأميركية، 25/3/2013، إعداد حسام عيتاني