اجتمع عشرات الموسيقيين في مهرجان الرحّل بمدينة محاميد الغزلان في جنوب شرق المغرب، مخترقين هدوء الواحات وصمت الصحراء، ليقدموا موسيقاهم وثقافتهم المنتشرة على امتداد الصحراء الكبرى، حيث جال الرحل على مدى قرون. ومع اقتراب غروب شمس كل يوم من أيام المهرجان الذي اختتم مساء أول من أمس، تحلق سكان المدينة والسياح القادمون لاستكشاف حياة الصحراء، حول منصة العروض الموسيقية، للاستمتاع بموسيقى الرحل الآتية هذه السنة من النيجر والجزائر ومالي، إضافة إلى موسيقى من إسبانيا والهند وجزر القمر. ويقول رئيس المهرجان نور الدين بوركاب إن «احتفالية هذه السنة تليق بالذكرى العاشرة لانطلاق فكرة مهرجان الرحل، وقد أتت فرق موسيقية كبيرة من النيجر والجزائر والمغرب وتفاعل معها الجمهور بشكل كبير». ومن بين الأهداف الرئيسة للمهرجان حسب بوركاب، «تقديم أوجه الإرث الثقافي للرحل، الذي يشكل ثروة يتعين حمايتها من الاندثار، ونقلها قدر المستطاع إلى الأجيال المقبلة وتثمينها، وسط التنميط والتشابه في عادات اللباس والاستهلاك الحديثة». ويجذب المهرجان مئات السياح المغاربة والأجانب، للتعرف على موسيقى الرحل من جهة، وجمال الطبيعة الصحراوية وعادات سكانها من جهة ثانية. وفرقة «آتري ناسوف» (نجمة الصحراء) القادمة من النيجر، من بين أشهر الفرق التي شاركت هذه السنة في إحياء ليالي المهرجان في مدينة محاميد الغزلان التي تعود أصول غالبية سكانها إلى قبائل الرحل. ويقول ريسى آغ وناغلي الذي أسس «آتري ناسوف» في باريس عام 2006 برفقة الفرنسي آلان بلوم: «أغني أساساً عن الحب وتربية الأطفال، خصوصاً أن شعبنا هم من الرحل ولا يرسلون أبناءهم الى المدرسة، فأحضهم على ذلك عبر الموسيقى». ويضيف: «أشعر وأنا هنا كأنني في بلدي لأنها الصحراء والجذور والأمازيغية والديكور ذاته، وأنا جد سعيد بوجودي في المهرجان». أما ألان بلوم، المفتون بثقافة الرحل، فاعتبر أن أهمية هذه المهرجانات تكمن في «إبراز إيجابيات ثقافة هذه الشعوب التي تعطينا موسيقاها الرغبة في الاحتفال عكس ما يروّج من صور قبيحة عنهم في وسائل الإعلام». ومن النيجر تمتد ثقافة الترحال والطوارق نحو أقصى الجنوب الشرقي للجزائر من حيث قدمت فرقة «نبيل باني» الطوارقية لتشارك جمهور المهرجان بآلاتها الوترية والإيقاعية الحديثة موسيقى أطربت الحاضرين في ليل محاميد الغزلان. وسمحت برمجة المهرجان باندماج طبيعي بحكم الثقافة، بين موسيقيي فرقة «نبيل باني» الجزائرية وفرقة «آتري ناسوف» من النيجر، لتعمّ أجواء الفرحة والرقص لدى الجمهور. ويحاول الطوارق، الموزّعون على دول مختلفة، الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم وتعريف العالم بها، وفق نبيل عثماني رئيس فرقة «نبيل باني». وعلى رغم أن رحل الجزائر والنيجر والجنوب الشرقي للمغرب من الأمازيغ، مثل سكان مدينة محاميد الغزلان، ويغنون ب «التماشقية» (لغة الطوارق) أو الأمازيغية، فقد تفاعلوا مع الموسيقى الحسانية التي يعود أصلها إلى الرحل العرب المستقرين في الصحراء الغربية، والتي قدمتها فرقة «منات عيشاتة» الحسانية بآلاتها الوترية والإيقاعية التقليدية، فيما كان رجال ونساء باللباس التقليدي الصحراوي يتمايلون في حركات تمتزج فيها حركات الغزل بصور الفروسية. ولا تقتصر ثقافة الرحل على الموسيقى بل تمتد إلى اللباس والأكل وحب الصحراء والجمال، حيث لا يكتمل مهرجان يجتمع فيه رحل قادمون من أماكن عدة من دون أن تكون عروض ركوب الجمال وإقامة الخيام والمنتوجات المحلية حاضرة في فقراته. ويهدف منظمو مهرجان الرحل، إلى جعل منطقة محاميد الغزلان في جنوب شرق المغرب، نقطة التقاء بين مختلف رحّل العالم لإحياء تاريخهم و«إعادة الاختيار بين مدنية نمطية وحياة لها تاريخ وجذور»، وفق نور الدين بوركاب.