تميّزت الساحة السياسية في تونس في العام 2012 بالتوتر والإنقسام الحاد بين الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه حركة النهضة الإسلامية ويضم حزبي المؤتمر والتكتل، وبين فصائل المعارضة. واتسم الخطاب السياسي بالتشنج وكيل الاتهامات بين الطرفين، وتعددت المعارك السياسية التي كانت تُحسم مرة بالتسوية ومرة بقوة الشارع. وعرفت عملية صوغ الدستور الجديد بطئاً شديداً، حيث كان من المقرر أن تنتهي عملية المصادقة على الدستور في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، لكن المجلس الوطني التأسيسي لم ينته حتى الآن من صياغة مواد الدستور. وبينما طالبت المعارضة بتحديد جدول زمني للانتهاء من الدستور وتحديد موعد الانتخابات، رفضت الغالبية الحكومية تحديد موعد نهائي للاقتراع، ولم يعلن عنه رئيس الحكومة حمادي الجبالي سوى قبل أيام حين عبّر عن رغبته في أن يكون أواخر شهر حزيران (يونيو) 2013 موعداً للانتخابات التشريعية المقبلة. وفي سياق آخر، أرادت حركة النهضة تمرير بند في الدستور ينص على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، وهو ما أدى إلى انقسام الشارع في تونس بين أنصار النهضة والسلفيين وحزب التحرير من جهة، وأنصار المعارضة ومكونات المجتمع المدني من جهة أخرى، علماً أن حركة النهضة لم تطالب باعتماد الشريعة في برنامجها الانتخابي الذي فازت بموجبه في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تشرين الأول (اكتوبر) 2011. واستمرت حالة الاستقطاب بين الطرفين المتنازعين طيلة شهرين قبل أن تتنازل حركة النهضة عن مطلبها باعتماد الشريعة مصدراً للتشريع في اجتماع مكتبها السياسي بتاريخ 27 آذار (مارس) 2012. وأكد زعيم «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي حينها أن حركته تراجعت عن اعتماد الشريعة في الدستور حفاظاً منها على المصلحة الوطنية وتجنباً لتقسيم المجتمع إلى مؤيد للشريعة ورافض لها. من جهة أخرى، أسس الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي حزباً جديداً تحت مسمى حركة نداء تونس في 16 حزيران (يونيو) 2012، وقد أصبح هذا الحزب في مدة وجيزة من أكثر الأحزاب فاعلية في المشهد السياسي وتضعه مختلف استطلاعات الرأي في المرتبة الثانية من حيث الانتشار ونيات التصويت بعد حركة النهضة الإسلامية. وفي المقابل تأسست جمعية تحت مسمى «الرابطة الوطنية لحماية الثورة» بتاريخ 14 حزيران (جوان) 2012 وأوكلت إلى نفسها مهمة الدفاع عن الثورة، وقد عرفت أنشطة هذه الرابطة بالعنف حيث قامت بالاعتداء على اجتماعات الأحزاب وعلى التظاهرات الثقافية والسياسية. كما يُشتبه في أن منتسبين لها قتلوا مسؤولاً جهوياً في حزب نداء تونس في الجنوبالتونسي بعد مسيرة طالبوا فيها ب «محاربة الفاسدين». كما قام عدد من أعضاء الرابطة الوطنية لحماية الثورة بالهجوم على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) يوم 4 كانون الأول (ديسمبر) في العاصمة، كما اعتدوا على نقابيين فيه، ما أدى بقيادة الاتحاد إلى الدعوة إلى إضراب عام وطني يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) قبل أن يتم التراجع عنه بعد جلسات تفاوض مع الحكومة. وقد أعقب الهجوم على مقر الاتحاد حرب كلامية بين النقابيين والشيخ راشد الغنوشي الذي وصفهم بالمتطرفين الفوضويين الذين يسعون إلى إسقاط الحكومة. وقد ردت عليه قيادة الاتحاد بأنها لن تتحاور معه لأنه ليس إلا رئيس حزب ولا يملك أي صفة حكومية. وبمناسبة مرور عام على انتخاب المجلس التأسيسي، اقترح الاتحاد العام التونسي للشغل مبادرة للحوار الوطني بخاصة بعد تأكيد عدد من المعارضين على أن «شرعية» الحكومة والمجلس التأسيسي تنتهي يوم 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2012، في مقابل تشبث الغالبية الحاكمة برأيها القائل إن الشرعية لا تنتهي إلا بالانتهاء من صياغة الدستور وتنظيم انتخابات (وليس بعد سنة من انتخاب المجلس التأسيسي). لكن شريكي الحكم، النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، رفضا المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه اتحاد الشغل وذلك بحجة وجود عناصر ووجوه من النظام السابق. وقد أفشل غياب النهضة عن المؤتمر الحوار الوطني، بحسب ما يقول مراقبون. كما حدثت سابقة في تاريخ تونس وهي وفاة شابين ينتميان إلى التيار السلفي كانا قد أضربا عن الطعام على خلفية إيقافهما في تظاهرات نظمها التيار السلفي على وجه الخصوص أمام السفارة الأميركية في 14 أيلول (سبتمبر)، على خلفية فيلم مسيء للإسلام أُنتج في الولاياتالمتحدة. وعرفت البلاد في أول تشرين الثاني (نوفمبر) غضباً شعبياً وحقوقياً بعد وفاة الشابين المضربين عن الطعام في السجون. وطالب عدد من السياسيين والحقوقيين باستقالة وزير العدل ومدير السجون لتقصيرهما في آداء واجباتهما إزاء السجناء، بالإضافة إلى اتهمهما بالتواطؤ في الظروف التي أدت إلى وفاة الشابين. وأدت أحداث السفارة الأميركية التي سقط فيها قتلى وجرحى إلى «انتهاء الود» بين الحكومة التي تقودها حركة النهضة والسلفيين بعدما كان المعارضون قد اتهموا النهضة بالتواطؤ مع السلفيين وغض الطرف عن ممارساتهم في مناسبات عدة. توتر أمني واحتجاجات شعبية وعرفت تونس اضطرابات أمنية متنقلة على فترات مختلفة خلال العام 2012، ولعل أبرزها الاشتباكات المسلحة بين قوات الأمن والجيش الوطنيين ومجموعات قريبة من «تنظيم القاعدة» في بئر علي بن خليفة بمحافظة صفاقس (270 كلم جنوب العاصمة) بتاريخ 1 شباط (فبراير) وفي محافظة القصرين المحاذية للحدود الجزائرية بتاريخ 10 كانون الأول (ديسمبر). وأعلن وزير الداخلية علي لعريض أن المجموعة المسلحة في صفاقس كانت تسعى إلى تخزين السلاح بغرض الإعداد لفرض «إمارة إسلامية» في تونس، كما أكد ارتباطها بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وأعلن ضبط كميات من السلاح والذخائر. وفي محافظة القصرين على الحدود التونسية - الجزائرية، اندلعت يوم 10 كانون الأول (ديسمبر) مواجهة بين مسلحين وقوات الحرس والجيش أسفرت عن مقتل عون حرس بعد اصابته برصاصة. وأكدت المصادر الأمنية أن هؤلاء المسلحين ينتمون أيضاً إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ومن بينهم أحد المشاركين في الأحداث المسلحة بسليمان (الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية) سنة 2006، عندما أعلن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تفكيك جماعات متشددة ناشطة هناك. وبدا من النشاط المتزايد للخلايا المرتبطة أيديولوجياً بتنظيم القاعدة أو عضوياً بفرعه المغاربي أن هذا التنظيم يبحث عن موطئ قدم له في تونس مستغلاً الفوضى التي نشأت خلال المرحلة الانتقالية. من جهة أخرى لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية طيلة سنة 2012 على رغم مطالبة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي بهدنة اجتماعية لمدة ستة أشهر فور توليه رئاسة الجمهورية. وشهدت مختلف مناطق البلاد احتجاجات شعبية تطالب بالتنمية وبإقالة مسؤولين جهويين بحجة «عدم قدرتهم على تفعيل التنمية وإيجاد حلول للفقر والبطالة». وعرفت محافظات عدة مواجهات بين متظاهرين غاضبين وقوات الأمن ومكافحة الشغب أسفرت عن اعتقال العديد من المواطنين وإصابة العشرات منهم. وغالباً ما كانت هذه الاحتجاجات تنتهي بعد مفاوضات بين الاتحاد العام للشغل والحكومة يتم بمقتضاها إقالة المحافظ، كما حصل في محافظات سليانة وسيدي بوزيد وقابس وهي من المحافظات الأشد فقراً.