يتوقع أن يشهد الأردن تغييراً وشيكاً في قيادات الصف الأول الممسكة بحلقات القرار السياسي والأمني، وذلك في إطار إعادة ضخ دماء جديدة إلى عروق مؤسسات الحكم النافذة، على ما أفادت مصادر أردنية مطلعة ل «الحياة». ووفق المعلومات المتدفقة من دوائر صنع القرار، يتوقع أن تشهد الأسابيع الثلاثة المقبلة تغييرات واسعة على مستوى مواقع حساسة استناداً إلى مراسيم ملكية، خصوصاً داخل مؤسستي الديوان الملكي و»الأعيان» (الغرفة الثانية للبرلمان التي يعينها الملك)، إلى جانب مؤسسة «الأمن العام» وجهاز «المخابرات العامة»، صاحب النفوذ الواسع في البلاد. وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أقال في وقت سابق رئيس الديوان الملكي الجنرال رياض أبو كركي، وعين بدلاً منه رئيس الوزراء السابق فايز الطراونة، أحد أبرز المحسوبين على التيار المحافظ الأكثر تشدداً لدى مؤسسة القرار. في هذه الأثناء، يواصل رئيس الحكومة المكلف عبدالله النسور مشاورة النواب في خصوص شكل الوزارة القبلة لإعلانها رسمياً في غضون أيام. وقال أثناء لقاءات مغلقة جرت أمس في مؤسسة البرلمان إن «الرئيس المكلف لا يحمل أي مواقف مسبقة في شأن الفصل بين منصبي النيابة والوزارة». وأضاف موجهاً حديثه إلى نواب مستقلين وكتل حديثة التشكل أعلنت رغبتها في توزير النواب (منحهم حقائب في الحكومة): «قلقون من الانعكاسات السلبية على وحدة الكتل في حال التوافق على توزير النواب ... هذه الخطوة قد تلحق الضرر بتجربة الحكومات البرلمانية التي ما زالت قيد التشكل». وكان العاهل الأردني كلّف النسور (73 سنة) الذي تلقى تعليمه في الولاياتالمتحدة وفرنسا، تشكيل حكومة جديدة السبت الماضي، بعد التشاور مع أعضاء البرلمان الذي انتخب في كانون الثاني (يناير) الماضي. وجاءت مشاورات الملك مع البرلمان المنتخب حديثاً في أعقاب تعديلات دستورية نقلت بعض سلطاته إلى البرلمان، استجابة لدعوات الإصلاح النابعة من انتفاضات دول مجاورة. وواجه النسور خلال الساعات الماضية تحدياً من كتل نيابية اشترطت الحصول على حقائب وزارية لقاء منحه الثقة. وبدا أن كتلة «وطن» (25 نائباً) التي تعتبر الكتلة الأكبر على مستوى البرلمان، وتضم خليطاً من أبناء القبائل الأردنية (السكان الأصليين) والأردنيين من أصل فلسطيني، تتجه إلى الدفع بنحو 40 في المئة من النواب إلى مقاعد الحكومة المقبلة، مع تحديد عدد حقائب الكتلة، ومنح الرئيس المكلف حق اختيار من يريد من الأعضاء. أما كتلة «التجمع الديموقراطي» (20 نائباً) التي تضم عدداً من السياسيين والمحسوبين على قطاع الإعلام، فارتهنت إلى حال من التجاذب الداخلي بين مؤيد للفكرة ومعارض لها. وقال رئيس الكتلة النائب يوسف القرنة إن «هناك اتجاهاً قوياً داخل التجمع يؤكد ضرورة الفصل بين النيابة والوزارة، لكن هناك اتجاه آخر في الكتلة ذاتها يتبنى وجهة مخالفة». وأضاف: «إذا ما تم التوافق بين الكتل البرلمانية والرئيس المكلف على توزير النواب، فإن كتلتنا ستكون الأكثر قدرة على تسلم عدد كبير من مقاعد الحكومة». في غضون ذلك، أعلن نواب كتلة «الوفاق» (15 نائباً) التي تضم بعض رجال الأعمال، رغبتهم في تسلم حقائب بعينها، لكنهم تركوا الخيار إلى الرئيس الذي منحوه الثقة أثناء مشاورات التكليف. وأعلنت كتلة «الوسط الإسلامي» (15 نائباً) التي تضم عدداً من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» السابقين وآخرين قريبين من السلطة، رفضها الجمع بين المنصبين في مثل هذه الظروف، على ما أفادت مذكرة داخلية تسلمها النسور، واطلعت «الحياة» على نسخة منها. ويقول نواب طامحون إلى الحقائب إن الحكومة الجديدة يجب أن تولد من رحم البرلمان، وإذا ما تعسرت هذه الولادة لسبب ما، فإنّ الوصول إليها يأتي من خلال التدرج في إدخال مجموعة من النواب أولاً، ثم زيادة الجرعة في المرات المقبلة. وثمة اقتراح يتدارسه مطبخ القرار حالياً، ينص على أن يخيّر الرئيس الكتل بين التنسيب بأشخاص من خارج القبة أو من داخلها، على أن يُعطَى اختيارات متعددة يقوم هو بتفضيل أحدها. ولا يخفي مسؤولون أردنيون خشيتهم من انفجار الكتل النيابية من الداخل على وقع صراع النواب على الحقائب أو الاختلاف في خصوص الموقف منها. وهناك اتجاه قوى داخل مؤسسات الحكم يرى أن الكتل التي لم تتشكل على أساس حزبي أو برامجي، والتي أخفقت خلال الأسابيع الماضية في التوافق على شخص رئيس الحكومة لعدم تماسكها، ليست جاهزة في الأصل لمسألة المشاركة في الوزارة، والتوجه إلى توزير بعض أعضائها سيكون أقرب إلى «مغامرة خطرة» غير محسوبة النتائج. إلى ذلك، أعلن فريق صندوق النقد الدولي موافقته على صرف قرض بقيمة 385 مليون دولار إلى المملكة، في إطار خطة مساعدة قيمتها بليونا دولار منحت للبلد في آب (أغسطس) لمواجهة «الصدمات الخارجية»، على ما أفاد بيان أصدره الصندوق أمس. واتخذ النسور قرارات متسارعة خلال الفترة الماضية برفع أسعار الوقود، ما أشعل اضطرابات في المناطق الريفية والقبلية التي تضررت من إلغاء الدعم. وقال إن «تحولاً من نظام الدعم الواسع إلى نظام الدعم النقدي يستهدف الفقراء سيوفر المزيد من الدعم الفاعل، وهو الخيار الوحيد لتجنيب البلاد أزمة مالية كبيرة».