علمت «الحياة» أن رئيس الحكومة الأردنية المكلف عبدالله النسور سيعرض على حزب «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» وكبرى الجماعات المعارضة في البلاد، إمكان الخروج من حال «الاحتقان السياسي» الذي بلغ حده بين الدولة والجماعة، تحت عنوان «الوصول إلى توافقات ممكنة عند منتصف الطريق». وقال مسؤولون أردنيون ل «الحياة» إن النسور «سيعرض على قيادة الحزب حلولاً توافقية تضمن عودة كل طرف خطوة إلى الوراء والجلوس إلى طاولة الحوار»، اضافة إلى «تسلم حقائب في الوزارة الجديدة ودخول مجلس الأعيان (غرفة البرلمان الثانية التي يعينها الملك عبدالله الثاني)، شرط التوافق على إرجاء بحث التعديلات الدستورية». وتشمل هذه التعديلات 3 مواد تعرضت طيلة العامين الماضيين إلى انتقادات واسعة النطاق من جهة «الإخوان» وحلفائهم من القوى العلمانية والعشائرية، بسبب منحها الملك حق اختيار رئيس الحكومة وإقالته، وإقرار التشريعات، وحل البرلمان. ولم يستبعد المسؤولون أن يتجه النسور خلال الساعات المقبلة إلى لقاء قادة الجماعة، وإبلاغهم العرض المذكور، ومشاورتهم في أبرز التحديات التي تواجه المملكة، خصوصاً مع استمرار الأزمة في جارتها الشمالية سورية. وقالت مصادر سياسية قريبة من مؤسسة القصر الملكي ل «الحياة» إن العاهل الأردني أيد غير مرة اقتراحات تتعلق بإجراء تعديلات دستورية لنقل بعض صلاحياته إلى البرلمان، شرط إتمامها بشكل متدرج ل «عدم نضوج البيئة السياسية». وقال وزير التنمية السياسية في حكومة تسيير الأعمال بسام حدادين المعروف بميوله اليسارية ل «الحياة» إن «التكليف الملكي الأخير وجه الرئيس إلى فتح حوار جاد مع المعارضة السياسية بتلاوينها كافة». وتابع: «سيحاول النسور، كما أعلن، بحث توافقات جديدة مع المعارضة، خصوصاً جماعة الإخوان، وربما تكون تحت لافتة الاتفاق على قانون الانتخابات، وتطوير قانون الأحزاب». وأردف: «أرى أن هناك إمكانية حقيقية لنجاح التوافقات التي يسعى إليها الرئيس المكلف، شرط أن تراجع المعارضة الإسلامية في شكل معمق سلوكها السياسي طيلة الفترة الماضية». غير أن هذه المعارضة سرعان ما ردت على اشتراط الوزير اليساري، معلنة رفضها المسبق العرض الذي يتوقع أن يطرحه النسور في غضون ساعات. وقال الرجل الثاني في الجماعة زكي بني أرشيد ل «الحياة» إن «مشاورات الرئيس المكلف مع الحركة الإسلامية، إن تمت، هي مشاورات شكلية لا تعدو رفعاً للعتب». وأضاف: «كان الأولى التشاور على شخص رئيس الحكومة، ثم يكلف مشاورة المعارضة». ولفت إلى أن الجماعة «سترفض أي مقاعد في الحكومة أو الأعيان، على اعتبار أنها جوائز ترضية تصلح لغيرها». وكانت قيادات بارزة في الجماعة أكدت خلال الساعات الماضية سعيها إلى «إعادة إنتاج الحراك الشعبي، بما يحافظ على زخم الشارع». وشهد الأردن على مدى الأشهر الماضية احتجاجات قادها الإسلاميون والمعارضة العلمانية واليسارية، طالبت الملك بالتصدي للفساد وإجراء إصلاحات سياسية. لكن القصر نجح إلى حد ما في احتواء سخط الشارع المنتفض على وضعه الاقتصادي، من خلال تكليف الحكومة تقديم نظام دعم نقدي يستهدف الشرائح الفقيرة، قابله رفع الدعم عن الوقود لضمان جلب قروض وتمويلات، في بلد يعتمد أساساً على خزانة المساعدات الخارجية. في شأن آخر، نفى الرئيس المكلف أمس تدخل العاهل الأردني في توزيع الحقائب الوزارية، ملمحاً إلى إمكان عودة وزير خارجيته ناصر جودة، القريب من العائلة الملكية، والذي يتعرض إلى انتقادات واسعة النطاق بوصفه أحد أبرز الوزراء العابرين للحكومات المتعاقبة. وقال النسور الذي بدأ مشاوراته أمس مع الكتل النيابية في خصوص شكل الحكومة المقبلة إن «أحداً لم يفرض عليّ وزيراً بعينه ... لقد شكلت الحكومة السابقة ولم أتلق توجيهاً واحداً في هذا الخصوص، ولا يعني ذلك أنني لا أمتثل إلى صاحب التوجيهات، وهو صاحب الجلالة الملك عبدالله الذي يعيّنني ويقيلني، لكنه لم يطلب مني، لا في المرة السابقة ولا هذه المرة، الإبقاء على أي من الوزراء». وأوضح في تصريحات بدت لافتة: «إن كان هناك وزراء يعرفون شخصيات أجنبية ولهم اتصالات هائلة لدى المحافل الدولية وأروقة الديبلوماسية العالمية، هل أقول لهم غادروا الموقع لأن الناس ملّت من أشكالكم». وكان النسور عُيّن رئيساً للحكومة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بعد أن حل العاهل الأردني البرلمان في منتصف مدته، استعداداً لأول انتخابات برلمانية تجرى في البلاد منذ انتفاضات الربيع العربي. ويُرجح إعلان التشكيل الحكومي الجديد مطلع الأسبوع المقبل، على أن يقدم الرئيس بيان طلب الثقة من البرلمان في الأسبوع الأول من نيسان (أبريل) المقبل على أبعد تقدير.