لا تزال البطالة في ألمانيا تسجّل انخفاضاً شهراً بعد آخر، علماً أن معدله الشهر الماضي جاء أقل منه عادة مع بداية خريف كل عام. إذ تراجع عدد العاطلين من العمل في أيلول (سبتمبر) الماضي 94 ألفاً مقارنة بآب (أغسطس)، و41 ألفاً عن الشهر ذاته من العام الماضي. وانخفض العدد الإجمالي للعاطلين من العمل من 2.902 مليون إلى 2.8 مليون. واعتبر رئيس الوكالة الاتحادية للعمل فرانك - يورغن فايزه، أن سوق العمل «مستقرة على رغم الظروف الاقتصادية المحيطة بها»، مؤكداً أن «لا مؤشرات إلى تعرّض سوق العمل الألمانية للتدهور». وكان توقّع الشهر الماضي «تطوراً جيداً خلال الأشهر المقبلة»، لافتاً إلى أن «تزايد البطالة في شهري الصيف الماضيين، أمر طبيعي بسبب لجوء متخرجي نظام التدريب المهني والتعليمي المزدوج إلى تسجيل أنفسهم كعاطلين من العمل للحصول على إعانة بطالة، وقيام بعض الشركات بالتخلي عن قسم من العاملين لديها بسبب العطل الصيفية». وكان معدل البطالة ارتفع نهاية الصيف بنسبة 0.1 في المئة إلى 6.7 في المئة، إلا أنه عاد وانخفض في نهاية الشهر الماضي إلى 6.5 في المئة. وأوضح فايزه أن سوق العمل «تقف حالياً في عكس تيار التململ الاقتصادي الحاصل، والناتج من عدد من الأزمات الخارجية مثل أزمتَي أوكرانيا والشرق الأوسط». وقال «على رغم تعرض النمو الاقتصادي في ألمانيا إلى ضغوط متزايدة بسبب الأزمات المذكورة، فإن سوق العمل تتطوّر في المقابل في شكل إيجابي عموماً»، وهو مقتنع بأن «تواصل الشركات الألمانية خطط زيادة فرص العمل فيها». إلى ذلك ذكرت وكالة العمل الاتحادية أن المصانع والشركات الألمانية «أبلغتها الشهر الماضي عن وجود 515 ألف فرصة عمل، بزيادة 13 ألفاً عليها في تموز (يوليو) الماضي، و44 ألفاً عن آب (أغسطس) من العام الماضي. وتبحث الشركات والمصانع الألمانية عن عمال مؤهلين في صناعات المعادن والآلات وتقنية السيارات، كما في القطاع الصحي والخدمات، وفي التجارة والمواصلات وغيرها. ولفت رئيس نقابة أرباب العمل الألمان إينغو كرامر نظر المراقبين إلى كلام سابق له، كشف فيه عن توقعه حصول «مفاوضات صعبة في ألمانيا» هذه المرة حول زيادة أجور العاملين، «نظراً إلى ضبابية التطور الاقتصادي في البلاد في ظلّ الأزمات في أوروبا والعالم». وبعدما أشار إلى «تنامي المحاذير في المجال الاقتصادي»، تحدث «عن ظهور غيوم سود في الأفق وعن ازدياد قلق الشركات» من التطورات المستقبلية. واعتبر أن كل ذلك «سينعكس حتماً على مفاوضات الأجور بين أرباب العمل والنقابات العمالية»، مخفّضاً التوقعات بإمكان حصول زيادات كبيرة على الأجور في المرحلة المقبلة. وتبدأ المفاوضات الخاصة بزيادة الأجور مطلع كل سنة في العادة ويفتتحها عمال المعادن وصناعة الإلكترونيات البالغ عددهم 3.7 مليون، وهم يشكلون العمود الفقري لقطاع الصادرات الألمانية. وانتقد كرامر بشدة دعوة مسؤولي البنك المركزي الألماني والبنك المركزي الأوروبي أخيراً، إلى زيادة الأجور في ألمانيا بنسبة عالية انطلاقاً من تحسن الوضع الاقتصادي فيها، ورأى أن الداعين إلى ذلك «أيقظوا تطلعات خاطئة لدى العمال». ولا يستبعد مراقبون هنا وقوع خلافات هذه المرة بين العمال وأرباب العمل في مختلف القطاعات، حول حجم زيادة الأجور بعدما شهدت السنوات الأخيرة اتفاقات سريعة نسبياً وبمعدلات جيدة. إلى ذلك كشف الاتحاد الأوروبي أن «الألمان يعملون فترة زمنية أطول من زملائهم الأوروبيين». وقال مفوّض الشؤون الاجتماعية في بروكسيل لاسلو أندور، إن «اتفاقات العمل الألمانية تحدّد ساعات العمل الأسبوعية بمتوسط 37.7 ساعة، إلا أن العمال الألمان يعملون 40.5 ساعة كمتوسط فعلي». ويتوافق هذا الكلام مع احتجاجات الاتحاد العام للنقابات العمالية في ألمانيا، الذي رفع الصوت أخيراً محذراً «من تمادي أرباب العمل في تشغيل الملايين من عمالهم ساعات إضافية، والسعي إلى إلغاء استراحات العمل، أو تكليفهم مهمات إضافية» وفق ما ذكرت أخيراً العضو في قيادة الاتحاد أنيلي بونتنباخ. وكانت المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية أوضحت بدورها في تقريرها الصادر الشهر الماضي، أن «البطالة في ألمانيا منخفضة، لكن العمال فيها يعانون الإعياء من كثرة العمل».