برغم اندثار أهم ملامح «العمد» جزئيا في أحياء و حارات مكةالمكرمة، كالمركاز، و «غبانة» الرأس، و غيرها من الملامح التي كانت ملمحاً، لرجل الحي الأول، و مرجعها، الشخص الذي لا ترد له كلمه، و لسان الحي الأول، بين بقية الإحياء. فلم تكن مهام العمدة في سالف الأزمان تقتصر على التعريف على أهل الحي، و الوقوف على حوائجهم الاجتماعية فحسب، بل كان بمثابة المرجع الرئيس لهم في جميع النوائب، وواجهة اجتماعية عريقة، و علامة فارقة بين كل الأحياء، و يمكن إلى حد قريب تشبيه مهام «العمد» في سالف الأزمان إلى رجل يحمل حقيبتي «الداخلية و الخارجية» و المسؤول الأول عنها في كل الأمور. و يرجع عمدة حي جرول والتيسير طلال الحساني إلى أولى أيام تنصبه «العمودية» في مكتبه المطل على قصر عبدالله السليمان مقر وزارة الداخلية في «عهد الملك سعود بن عبدالعزيز» أقدم قصور مكة الباقية، كأول عمدة يحمل شهادة جامعية في مكةالمكرمة. وأوضح الحساني خلال حديثه إلى «الحياة» أن آليات اختيار العمدة قديماً يعتمد على الديمقراطية، إذ يتم ترشيح ما بين خمسة إلى 10 أشخاص من ذوي الرأي والمشورة في الحي من جميع الحارات التابعة لها، ورفع أسمائهم إلى مركز الشرطة، لتشكيل لجنة تضم الشرطة، الأمارة، وثلاثة من مشايخ الحي، ويتم تحديد فترة انتخابات العمدة الجديد لأبناء الحي والتي تستغرق فترة زمنية تقدر من يومين إلى ستة أيام، وتفرز بعدها نتائج الانتخابات. وقال أن مهام العمدة كثيرة ولا يمكن حصرها، إذ إنه يتدخل في جميع ما يخص حيه الذي يمثله من مشكلات أو سعي في الصلح بين المتخاصمين، وتوفير لقمة العيش للمحتاجين، كما يستوجب عليه معرفة جميع أبناء الحي، مضيفاً: « من المخجل جهل عمدة الحي بأحد أبناء حيه في ذلك العهد». وأشار إلى أن مركز العمدة كان يعقد جلسة يومية بحضور كبار أهل حيه جرول أكبر أحياء مكة في ذلك الوقت، والذي نهش تاريخه توسعت الحرمين الشريفين، والذي يعد مركازاً ثقافياً في أيامه بامتياز، إذ كان يتم تداول مشكلات أهل الحي ومحاولة حلها بينه وبين أهل الرأي والمشورة بالحي، إضافة إلى تبادل القصص والأبيات الشعرية. وأرجع أسباب اختفاء مركاز العمدة حالياً إلى تسارع أنماط الحياة وانشغال الناس، إذ كانت تعتمد في السابق على أبناء الحي ذاتهم، في حين أشغل أناس من خارج الحي منصب عمدة الحي في الوقت الحاضر نتيجة العمران وازدحام المدن.