تحولت أروقة ودهاليز مكة العتيقة إلى ديوانيات حجازية تبث الموروث القديم، وإلى أندية أدبية ومظلات ثقافية تناقش هموم الشارع حتى ساعات الصباح الأولى. وخلال زفتها لحجاج بيت الله الحرام مدة 30 يوما تفيض شوارع العاصمة العطرة بأطياف اللهجات والعادات المتنوعة، إذ تختلف اللغات ويبقى صوت التلبية والإحرام موحدهم كأسنان المشط الواحد. وتظهر بجلاء خلال موسم الحج الديوانية الخليجية والمركاز الحجازي بألوان زاهية ومقاعد وثيرة، ويؤكد موظف إحدى الحملات الكويتية أن الديوانيات ملازمة لهم في كل وقت، ويضيف حسين العنزي أن الديوانية تعني المكان المنعزل من البيت لها بابها الخارجي وتتخذ خصيصا لجلوس الرجال، إذ أنها بمثابة ناد يتداول فيه الرجال مختلف شؤون الحياة المعيشية، التجارية، السياسية، الأدبية، والفكرية. وتلتقي الديوانية والمركاز عن خط استواء العادات التي أبت أن تندثر وتختلف في الملامح والأثاث، إذ يؤكد عمدة الهجلة محمود بيطار وصاحب مركاز مشهور في شارع المسفلة، أن المركاز يشبه المجلس البرلماني في الحي وهو ملمح من ملامح الحارات المكية القديمة، فكان مظلة لاجتماع أهل الحي حول العمدة، ويضيف، المركاز بطبيعته أشبه بوكالات أنباء تجمع أخبار ومناشط أهل الحي الاجتماعية وهو مكان جلوس عمدة الحارة مع أبناء حارته. ويصف البيطار المركاز بأنه جامع أو مدرسة يتم من خلاله مناقشة كل ما يتعلق بأمور الحي واحتياجاته، بالتشاور بين عمدة ووجهاء وأعيان ومشايخ الحي، ويتم رصد الحالات الفقيرة والأرامل وجميع من يحتاج إلى مد يد العون، إضافة إلى مناقشة الاحتياجات الكلية للحي، ويشير البيطار إلى التوسع الذي شهدته أحياء مكة وانتقال معظم سكانها إلى المخططات السكنية ساعد في اندثار المركاز وانطفاء وهجه نوعا ما.