داخل أحد المباني القديمة في وسط القاهرة، رُصّت مجموعة من القوائم الخشبية المزينة برسوم القصص المصورة «كوميكس»، لاثنين من رواد هذا الفن في مصر هما فواز ومعلوف. يقام المعرض التكريمي للفنانين الكبيرين ضمن «أسبوع الكوميكس» المصري الأول الذي أقيم بين مدينتي القاهرة والإسكندرية بعنوان «بين الكادرات – بيكا» ويشارك فيه فنانون من مصر وألمانيا وفرنسا، وشمل إضافة إلى المعارض التي نُظّمت في فندق الفينواز بوسط البلد، مجموعة من اللقاءات والندوات التي أُقيمت في المركز الثقافي الفرنسي في حي المنيرة بالقاهرة. وتهدف هذه المبادرة إلى لفت الانتباه إلى فن الكوميكس في مصر حيث له تاريخ طويل يعود إلى سبعينات القرن التاسع عشر. وتمثلت بداياته الأولى في مجلة «روضة المدارس المصرية» التي أصدرها رفاعة الطهطاوي، وكانت موجهة إلى تلامذة المدارس، بهدف الإرشاد والتقويم. وعلى رغم افتقاد تلك المجلة في حينه الرسوم، فإنها كانت تحمل اللبنة الأولى لفن الكوميكس بتقسيم القصة إلى كادرات ومشاهد قصيرة. ومنذ عشرينات القرن العشرين، ظهرت العديد من إصدارات القصص المصورة التي كانت في غالبيتها محاولات جادة وواعدة ومتميزة. ولكن، لم يكتب لها الاستمرار. ومنها على سبيل المثال، مجلة «الأولاد» التي أصدرها عام 1923 الاحتلال الإنكليزي باللغة العربية، من أجل الدعاية وترسيخ مفاهيم الاحتلال في عقول الطلاب المصريين. وعلى رغم الرسالة الاستعمارية التي كانت تحملها، كانت المجلة عاملاً جذاباً في تعرف المصريين إلى هذا النوع من الفنون. وفي خمسينات القرن الماضي، ظهرت مجلة «سندباد» التي عمل فيها العديد من رواد فن الكوميكس المصريين مثل الراحل محيي الدين اللباد، وكان يصدرها الفنان حسين بيكار وهو من أوائل الفنانين الذين أدخلوا فن القصص المصورة في مصر. ثم صدرت مجلة «سمير» في خمسينات القرن العشرين، ثم مجلة «علاء الدين» عام 1993 وهي من إصدارات مؤسسة «الأهرام» المصرية ولا تزال مستمرة حتى اليوم. كما أن هناك العديد من الإصدارات الأخرى التي ظهرت حديثاً بجهود ذاتية من فنانين وناشرين، لعل أكثرها نجاحاً واستمراراً مجلة «توكتوك» التي تعاون في إصدارها مجموعة من الكتاب ورسامي الكوميكس الشباب. وإذا تحدثنا عن تعريف مصطلح «كوميكس» بشكل أكاديمي، نجد أنه يحمل معنى الرسوم الهزلية أو المرحة التي تحكي قصة مترابطة من خلال كادرات أو صور متتابعة. لكن هذا الفن لم يقف عند حدود السخرية والهزل، بل تطرق إلى مناحٍ أخرى سياسية واجتماعية وثقافية، وبدأ يتخذ هذا المنحى تحديداً في مصر، على أيدي فنانين مثل حجازي ومحيي الدين اللباد، إضافة إلى بهجت الذي أخرج في نهاية الستينات إصداراً بعنوان «بهجتوس» كان ينتقد من خلاله السلطة والأوضاع السياسية في مصر، وتميز نقده وقتها بالمباشرة والحدة، ما أدى إلى مصادرة المجلة وتوقفها عن الصدور. توثيق وتبادل خبرات يقول منسق تظاهرة «أسبوع الكوميكس» محمد رأفت رمضان إن «الفكرة المبدئية جاءت من معهد غوته والمركز الثقافي الفرنسي في القاهرة، إذ كانت لديهما الرغبة في إقامة أسبوع للكوميكس في مصر، يوثّق لهذا الفن ويسعى إلى تبادل الخبرات. وفي النهاية ستصدر عن هذا الأسبوع وورش العمل الذي تضمنته، مجلة للرسوم المصورة بأيد مصرية مئة في المئة». شارك في التظاهرة عشرة فنانين هواة وعشرة فنانين محترفين من مصر، إضافة إلى أربعة فنانين محترفين من ألمانيا وفرنسا. وعن تعريف فن الكوميكس، يقول رمضان: «هناك من يخلطون عادة ما بين فن الكوميكس والكاريكاتور، وهما لا يرتبطان بصلة سوى عبر طبيعة الرسوم الساخرة والمرحة. فن الكوميكس هو فن القصص المصورة، وهو عبارة عن قصة واحدة مترابطة يُعبّر عنها بواسطة مجموعة من الرسوم أو الكادرات المتتابعة. أما فن الكاريكاتور فهو يمثل كادراً واحداً يعبر عن موقف واحد أو وجهة نظر واحدة وليس قصة متتابعة الأجزاء كفن الكوميكس». ويشرح رمضان أن «الفنانين الألمان والفرنسيين المشاركين في «أسبوع الكوميكس» من أشهر فناني الكوميكس وأهمهم في بلادهم، ومن المعروف أن فن الكوميكس الفرنسي يعد أحد أهم فنون الكوميكس حول العالم إلى جانب الكوميكس الأميركي والياباني. وفن الكوميكس الأوروبي على وجه الخصوص له باع طويل في هذا المجال، وفي أوروبا خبرات متنوعة تعتمد على كثير من التجارب والممارسات الراسخة. فهم يمتلكون نصوصاً جيدة ورسامين محترفين، إضافة إلى التمويل أو الإنتاج وهو ما يصنع الفارق. فهناك في أوروبا سوق رائجة لإصدارات الكوميكس يجعل منها صناعة رائجة ومربحة، وكل ذلك يولّد مجالاً حيوياً لاكتساب الخبرات والاحتراف الجيد». ويشير مارك انطوني ماتيو الفنان الفرنسي المشارك في ورش العمل، إلى أن تطور التكنولوجيا وانتشار الإنترنت لعبا دوراً مهماً في نمو هذا النوع من الفن، وحقق له انتشاراً أوسع مما كان عليه قبل ظهور الانترنت. كما أكد ان تطور الفنون يقتلها احيانا، فالفن السينمائي مثلاً قتل فن المسرح والتلفزيون قتل السينما. وعن رأيه في المواهب المصرية في فن الكوميكس، أشاد ماتيو بالمشاركين المصريين مؤكداً أن تبادل الأفكار والثقافات والخبرات بين الأجيال والجنسيات المختلفة من أهم عوامل تطوير الفنون، وتمنى أن يمتد هذا الحدث لأكثر من شهر وأن يطوف أكثر من دولة ويضم عدداً أكبر من المشاركين.