ستة وجوه ضليعة في شؤون الإستخبارات الإسرائيلية اجتمعت في فيلم وثائقي للمخرج الإسرائيلي درور موريه لتروي قباحة التعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين والدموية اللامجدية. «ذي غيت كيبرز» (حراس البوابة) وهو عنوان الفيلم الذي عرضته القناة الفرنسية الألمانية «آرتي» قبل أيام بعد تسميته للأوسكار وتابعه حوالى 937 ألف مشاهد (الإعادة في 16 الشهر الجاري)، يتناول بمرارة خيبة أمل ستة مسؤولين سابقين عن الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية «شين بيت» نتيجة التعامل الكارثي لحكوماتهم المتعاقبة مع الموضوع الفلسطيني. هؤلاء الستة توالوا على ادارة ال «شين بيت» في فترات وظروف مختلفة لكنهم أجمعوا على القول ان النتيجة الوحيدة التي ترتبت على أدائهم وأداء رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم يسفر إلا عن نتيجة واحدة هي تحويل حياة الفلسطينيين الى أمر لا يطاق و كابوس من القمع الدائم. المسؤولون الستة السابقون هم ابراهام شالوم (أدار الإستخبارات من عام 1980 الى 1986) وعامي ايالون (من 1996 الى 2000) وياكوف بيري (من 1988 الى 1994) ويوفال ديسكين (من 2005 الى 2011) وآفي ديشتر من (2000 الى 2005) وكرمي غيلون (من 1994 الى 1996). وبكلام صريح وبعيداً من أي رغبة في تجاهل التفاصيل المؤذية يتطرق هؤلاء الى الإنتهاكات التي ارتكبت بحق الفلسطينيين والتعذيب الوحشي في السجون وتحطيم الرؤوس بالمعنى الفعلي للكلمة والإعدامات السريعة والأضرار البشرية الجانبية التي لم توفر الأطفال والنساء. وعن كل هذا يقول شالوم: «تحولنا الى أفظاظ تجاه أنفسنا ولكن، خصوصاً تجاه السكان الذين ينبغي علينا السيطرة عليهم بحجة مكافحة الإرهاب». ويعرض الفيلم شرائط من الأرشيف لعمليات تجميع السكان الفلسطينيين والإعتقالات الجماعية التي تذكر بطريقة تجميع اليهود بصدد اعتقالهم اثناء الحرب العالمية الثانية. كما يعرض صوراً للتفجيرات التي استهدفت مقرات سكن قادة حركة «حماس» والإعدامات وإطلاق النار العشوائي على التجمعات. ويعتبر المسؤولون السابقون الستة ان هذه الممارسات قلصت تدريجاً احتمالات السلام الذي كان ممكناً في وقت من الأوقات. ويقول شالوم ان الأساليب المستخدمة في حق الفلسطينيين مماثلة لتلك التي استخدمها النازيون. ويعتبر ديشتر ان «من غير الممكن إقامة السلام بالأساليب العسكرية». ويشير الوثائقي الى أن اسرائيل، وفي ظل انشغالها في قمع الفلسطينيين، أهملت متطرفيها الذين كادوا يلحقون كارثة في المنطقة من خلال محاولتهم تفجير المسجد الأقصى، علماً أن أحدهم، ويدعى يغال أمير تمكن من اغتيال رئيس الوزراء السابق اسحاق شامير بمسدس فقط. وفي ضوء هذه الأحداث اكتشف الستة أن المشكلة لا تقتصر على السيطرة على الفلسطينيين وان هناك مشكلة أخرى داخل الصف الإسرائيلي وتتمثل بالمواجهة بين الدولة الإسرائيلية والمؤسسة الدينية اليهودية. في الوقت ذاته يقرّ الستة ان المصالح مع حركة «فتح» والرئيس الراحل للسلطة الفلسطينية ياسر عرفات الذي كان يعتبر العدو رقم واحد لإسرائيل أنتجت، بالنظر الى طبيعة نهج التعامل الإسرائيلي، عدواً جديداً هو «حماس»، وأن هذا النهج سينتج أعداء جدداً طالما استمرت الأمور على حالها. وبالحديث عن المستقبل، يؤكد هؤلاء أنه غامض ويأخذ أحدهم على التجنيد الإلزامي في اسرائيل، لأنه «يقولب عقلية الشباب ويجعل الجيش الإسرائيلي محبوباً من أحد الأطراف ومكروهاً عند الطرف الآخر بما يشبه الجيش الألماني سابقاً». ويخلص المسؤولون السابقون الى القول أن الخروج من هذه الدوامة يستدعي من إسرائيل ان تتحدث مع الفلسطينيين من رئيس السلطة محمود عباس الى «حماس» لأن هذا هو المخرج الوحيد في نظرهم. ويؤكد ايالون ان اسرائيل تعتبر نفسها منتصرة، لكن «الإنتصار يعني إنشاء بيئة أفضل»، ويتساءل: «هل ما فعلناه دفعنا نحو واقع أفضل ام أدى بنا الى كسب كل المعارك وخسارة الحرب؟». كثيرون في فرنسا ينظرون الى هذا الفيلم باعتباره إعادة نظر جريئة للممارسات الإسرائيلية ودليلاً اضافياً على ان إسرائيل تتميز عن سواها في المنطقة بكونها دولة ديموقراطية... هذا اذا كانت الجرأة والإقرار بالتعامل غير الإنساني الذي يواجه الفلسطينيين يكفيان وحدهما لإلغاء ما يرتكب من فظائع.