تعيش تونس حال ترقب قبيل اعلان الحكومة الجديدة برئاسة علي العريض وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة والقيادي في حركة «النهضة» الإسلامية، في ظل مؤشرات إلى وجود عقبات سعى رئيس الحكومة المكلّف إلى تذليلها مع الفرقاء السياسيين المختلفين. وكان رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي كلّف العريض تشكيل حكومة جديدة في 22 شباط (فبراير) الماضي إثر اغتيال المعارض شكري بلعيد واستقالة حكومة حمادي الجبالي. وانطلق العريض في مشاوراته السياسية من أجل تشكيل حكومة «لكل التونسيين»، كما صرح في خطاب التكليف. لكن عقبات كثيرة واجهت تشكيل مثل هذه الحكومة التي تمثّل جميع التيارات السياسية. وكانت الردود الأولية لقوى المعارضة الرئيسية تؤكد رفض التعامل مع حكومة العريض، وهو رفض سعى إلى تجاوزه من خلال وعده باستجابة مطالب المعارضة المتمثلة في «تحييد وزارات السيادة». إلا أن ذلك لم يمكّنه من تحقيق توافق وطني واسع حول حكومته المرتقبة، إذ ظهر منذ الأيام الأولى لبدء المشاورات أن ملامح التحالف الحكومي الجديد ستكون شبيهة بالتحالف الذي تشكلت بموجبه الحكومة المستقيلة («النهضة» و «المؤتمر» و «التكتل»)، وهو ما خلّف انطباعاً سيئاً لدى بعض أطياف المعارضة وجزء من الرأي العام. وانحصرت مشاورات العريض بأحزاب التحالف القديم وبعض التيارات السياسية التي لا تتمتع بتأييد شعبي واسع، كما يقول خصومها. فبالإضافة إلى حزبي «التكتل» و «المؤتمر»، التحق بالمشاورات حزب «وفاء» المنشق عن «المؤتمر»، وكتلة «الحرية والكرامة» النيابية، وحزب «التحالف الديموقراطي» الذي قاطع لاحقاً الاجتماعات التشاورية الأخيرة مع الرئيس المكلف. وتأجّل إعلان الحكومة الجديدة مرات عدة بحجة عدم اكتمال المشاورات ووضع اللمسات الأخيرة على الفريق الحكومي. لكن الأمر، على ما يبدو، أعمق من ذلك. فالخلاف بين مكونات التحالف الجديد تبدو جوهرية. فقادة حركة «وفاء» وحزب «المؤتمر» يرفضون مبدأ «تحييد وزارات السيادة»، ويسعى كل منهما إلى الحصول على حقيبة سيادية. وتسرّب، في هذا الإطار، أن وزارة العدل التي يُعتقد أنه سيتم إسنادها إلى قاض مستقل، ما زالت موضع تنازع بين الأحزاب التي ستشارك في الحكومة الجديدة. وأفيد أن حزب «المؤتمر» (الذي كان يرأسه رئيس الجمهورية) أصر في المشاورات على «تحييد» وزارة المال التي كان يُتوقع إسنادها إلى حزب التكتل (يقوده رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر)، معتبراً أنها وزارة سيادية وجب منحها لمستقل. وهذا الإشكال كان ما زال حتى بعد ظهر أمس موضع تفاوض. وفي الإطار ذاته، يتمسك كل من حزب «التكتل» وحزب «التحالف الديموقراطي» بضرورة ضمان استقلال وزارات السيادة، وبخاصة وزارة الداخلية، ومراجعة التعيينات التي قامت بها «النهضة» على رأس المؤسسات العمومية. لكن «النهضة» ترفض هذا المطلب بشدة وهي تعتبر أن من حقها إجراء تعيينات إدارية. وتتخوّف المعارضة من أن هذه التعيينات تدخل في إطار سعي «النهضة» إلى الهيمنة على أجهزة الدولة ليتسنى لها التدخل في أي عملية انتخابية مقبلة. وفي السياق نفسه، يواجه العريض ضغطاً سياسياً يتمثل في ضرورة التوصل إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني، بالإضافة إلى ضغط عامل الزمن الذي يلاحقه باعتبار أن المهلة التي يشكل بمقتضاها حكومته تنتهي يوم الجمعة المقبل. ويقول محللون إن بإمكان العريض أن يشكّل حكومة تحظى بغالبية بسيطة في المجلس التأسيسي بتأييد «النهضة» و «المؤتمر» وحركة «وفاء» وكتلة «الحرية والكرامة» وحزب «التكتل»، لكن الوضع العام لن يتغير باعتبار أنه يقود التحالف الحكومي نفسه الذي يعتبره جزء من الرأي العام فشل في إدارة البلاد وإخراجها من الأزمة التي تعيشها.