لم يذع صيتها بَعد ولم ينتشر، ولكنها اجتاحت العالم ولفت أذرعها حول مرافقه وشركاته: هي شركات أبصرت النور في الصين والهند والبرازيل أو جنوب أفريقيا وبدأت تتوسع توسعاً عالمياً، وتنافس أكبر الشركات. ففي أيلول (سبتمبر) المنصرم، في ذروة النقاش حول حصص الدعم على منتجات الحليب، وقع خبر وقع الصدمة في العالم الزراعي الفرنسي. فشركة حليب الأطفال الصينية، «سينوترا»، وهي تتربع في المرتبة الثالثة في الصين، أعلنت استثمار 100 مليون يورو في بروتون الفرنسية، وإنشاء مصنع حليب مجفف. وفي 2015، يتوقع أن تجفف الشركة هذه سنوياً 280 مليون ليتر من الحليب، وأن تصدرها إلى الصين. وشريك «سينوترا» الفرنسي هو «سوديال» الذائع الصيت وصاحب ماركة «يوبليه» البارزة التي تتصدر المرتبة الثانية عالمياً في لائحة المنتجات الغذائية. وأسهم شركة «سينوترا» مدرجة في مؤشرات ناسداك في نيويورك، وهي لا تتستر على طموحاتها الكبيرة في الصين وفي مقارعة شركة نستليه العملاقة العالمية. ففي الأشهر الأخيرة، بدأت تبرز على الساحة الدولية شركات صينية وهندية وبرازيلية وجنوب أفريقية وإندونيسية وكولومبية جنباً إلى جنب الشركات الأوروبية والأميركية. وتصف دراسة صادرة عن مجموعة بوسطون للاستشارات، 100 شركة من شركات العالم النامي ب «المرشحات إلى بلوغ العالمية». ويبدو أن الشركات هذه على موعد مع البروز العالمي والنجاح. وهي، على رغم عودها الطري، تلحق بنظيرها في العالم المتطور لحاقاً وتيرته تبعث على الدهشة، وتتباهى بمعدلات نمو متوسطها الذي يبلغ 16 في المئة سنوياً، بين 2008 و2011، في وقت لا تتجاوز هذه المعدلات عتبة 4.7 في المئة في الشركات المدرجة في مؤشر «إس & بي 500» في البورصة الأميركية. وفي 2013، يجمع هذا المؤشر شركات جديدة تحمل 17 جنسية مختلفة: 30 شركة صينية، و20 شركة هندية، و13 شركة برازيلية، و7 شركات مكسيكية، و5 شركات جنوب أفريقية. والحدود بين هذه النخب النامية غير ثابتة: فعلى سبيل المثل، انضمت 26 شركة جديدة تفوق عائداتها بليون دولار إلى لائحة المؤشر هذا، وتراجع أداء غيرها من الشركات، وتحسن أداء بعض آخر فتجاوز مرحلة «تحدي بلوغ العالمية» ليرتقي عملاقاً دولياً لا منازع له على غرار شركة «فال» البرازيلية البارزة في قطاع التعدين، وشركة «ويلمار» الإندونيسية التي تستخرج زيت النخيل، وشركة «ساب ميلر» الجنوب أميركية لإنتاج شراب البيرة، وشركة النقل الجوي «الإماراتية». ويعود الفضل في نجاح هذه الشركات إلى ازدهار حركة الطلب الداخلي في الدول النامية، وإلى قدرتها على الابتكار. ويتوقع أن ترتقي إلى الطبقات الوسطى في الدول النامية 270 مليون أسرة بين 2010 و2020. وحركة الارتقاء في السلم الاجتماعي هي فرصة عظيمة شرعت أبواب الربح أمام شركة «جي بي إس» البرازيلية العملاقة، وشركة «تاي يونيون فروزن برودكتس»، ملكة السمك المجلد التايلندي، وشركة أدوات الحدادة، «غودريج»، الهندية، وشركة بناء المراكز التجارية «فالابيلا» التشيلية. وحازت هذه الشركات مكانة تكنولوجية بارزة وملفتة. فمنذ 2007، تضاعف إنفاقها على الأبحاث والتطوير ثلاث مرات. وفي 2011، كانت الأبحاث هذه وراء ربع براءات الاختراع المسجلة في الولاياتالمتحدة. «لم يعد ثمة مفر من التعامل مع هذه الشركات» يقول أوليفيه سكالابر، مدير مجموعة بوسطن للاستشارات، ساعياً في إقناع زبائنه في احتسابها (الشركات النامية) منافساً يعتد به أو حليفاً. ونموذج شركتي «هيواي» و «زي تي و» الصينتين المختصتين في تجهيز الاتصالات ومعداتها بالغ الدلالة. ففي 2006، اقتصرت حصتهما من السوق الدولية على 1 في المئة، وفصلت بينهما وبين «نوكيا» و «ألكاتيل» و «سيمنز» أشواط كثيرة. وفي صيف 2012، أطاحت «هواوي» الصينية شركة «إريكسون» السويدية عن صدارة عالم الاتصالات العالمية. وليست الأسواق الأوروبية والأميركية قبلة هذه الشركات النامية. ففرص النمو ليست على ضفتي الأطلسي بل في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. والشركات هذه تتفوق على مثيلاتها الغربية. فهي أكثر إلماماً منها بأحوال المستهلكين والسوق في الدول النامية. فشركة الاتصالات «بهارتي إرتيل» الهندية غزت أفريقيا و «فتحت» أسواقها من طريق النزول على حاجات زبائن تقتصر موازنة اتصالاتهم على دولار واحد شهرياً. وهذه حال شركة السيارات «باجاج» الهندية. فكلفة سياراتها بخسة، وتبلغ خُمس أو سُبع كلفة السيارة الغربية. وهي صدّرت 40 في المئة من صناعاتها إلى جنوب شرقي آسيا وأفريقيا. وتسعى شركات غربية إلى استمالة منافسيها المحتملين لاحتوائها. فالشركات النامية هي زبائن الشركات الغربية. فالأولى تبذل حوالى 1700 بليون دولار سنوياً لشراء سلع الثانية وخدماتها. وتطالب الشركات النامية بنقل التكنولوجيا المتطورة إليها. ومثل هذا النقل لا تحمد عقباه. فعلى سبيل المثل، صدعت شركة «آرباص» الفرنسية بنقل قسم من معرفتها التكنولوجية إلى شريكتها الصينية «كوميرشيل إركرافت كوربوريشن أوف تشاينا» كجسر عبور إلى السوق الصينية. وجنت شركة النقل الجوي ا لصينية ثمار هذا النقل، وهي تسعى إلى إطلاق أولى طائراتها في الأسواق في 2016، ومن أبرز زبائنها «بريتيش إرويز» و «رياناير». وتجمع أحلاف تعاون كثيرة بين شركات غربية رائدة وشركات نامية مثل الشراكة بين «د. ريدي» الهندية «ومرك سيرونو» الألمانية في قطاع ال «بيوسيميلير»، (التكنولوجيا البديلة في قطاع البيوتكنولوجيا)، والشراكة بين الأميركي «دوبون» والعملاق الصيني «شم تشاينا» في قطاع إنتاج المطاط المزود بالفلويور المقاوم للحرارة. والحاجة تبرز إلى مسارعة عمالقة الشركات الغربية إلى استمالة الشركات النامية لتفادي أن تتحالف هذه فيما بينها لإقصاء منافساتها الغربية. فعلى سبيل المثل، أنشأ مصنع الباصات البرازيلي ماركوبولو شركة مشتركة مع صانع السيارات الهندي، «تاتا موتورز»، لاكتساح السوق الهندية. وفي الصيف المنصرم، دمجت شركة النقل الجوي التشيلية «لان» مع شركة «تام» البرازيلية للحصول على ثاني أكبر ناقل جوي في العالم. * مراسلة، عن «لوموند» الفرنسية (ملحق «إيكو إيه إنتريبريز»)، 19/ 2/ 2013، إعداد منال نحاس