الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وضعت عصا في الدولاب الأميركي، الذي بدا أنه يتحرك بسرعة، ويتجه إلى فرض حظر طيران فوق ليبيا. وفي وسع الولاياتالمتحدة فرض الحظر الجوي أحادياً، فيتجرع الرئيس أوباما من كأس السم التي تجرعها سابقوه. وإذا أقدم على ذلك، بدد أوباما ما بذله من جهود لتجميل صورة الولاياتالمتحدة. واستضافت نيودلهي مؤتمراً على مستوى وزراء الخارجية شاركت فيه البرازيل وجنوب أفريقيا لإرساء التعاون بين دول الجنوب. وحلقت المناسبة في سماء نظام عالمي مضطرب وعلاقات دولية مترنحة. وأفشل وزراء خارجية الدول الثلاث خطط أوباما، وأصدروا بياناً مشتركا أوضحوا فيه « إن منطقة حظر جوي فوق ليبيا وأي خطوات أخرى مشابهة غير التي نص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 تخالف القانون «. وأبلغ وزير الخارجية البرازيلي الصحافة في الهند أن البيان الثلاثي هو خطوة مهمة تبرز سياسة العالم غير الغربي. ففرض منطقة حظر جوي أحادي يضعف جهود مجلس الأمن المشتركة، وتترتب عليه تداعيات قانونية. واعترف البيان بحقوق الفلسطينيين، ورأى أن التغيرات الأخيرة في المنطقة قد تشكل فرصة لإرساء سلام شامل يؤدي إلى نشوء دولتين تتمتعان بالسيادة والاستقلال. وحرص البيان على وحدة الأراضي الفلسطينية في دولة واحدة قابلة للعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل على حدود ما قبل حرب عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. ولا شك في أن البيان الختامي بعث الذعر في إسرائيل. ولن يستطيع أوباما ودول الناتو التغاضي عن معارضة الدول الثلاث هذه، وهي من قارات متباعدة، فرض حظر طيران. وعضوية الدول الثلاث هذه غير دائمة في مجلس الأمن الدولي. وموقف البرازيل والهند وجنوب أفريقيا يضع دولتين من أعضاء مجلس الأمن، وهما تتمتعان بحق الفيتو، في مواجهة معضلة حقيقية. فروسيا تزعم انتهاج سياسة خارجية مخالفة لسياسة الانفراد الأميركي، وتنادي بالتزام القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة. والصين تقول إنها تمثل الدول النامية. وموقف البرازيل والهند وجنوب أفريقيا يقيّد قدرة بكين وموسكو على عقد صفقة مع الولاياتالمتحدة والقوى الغربية في ملف ليبيا. ويشبه البيان الثلاثي الأخير البيان التركي - البرازيلي حول المسألة النووية الإيرانية، فهو يطيح نفاق الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ويبعث على الدهشة أن الهند وافقت على البيان الثلاثي على خلاف ما يشتهي حليفها الأميركي. وفي الشهر المقبل، تستضيف بكين قمة روسية – صينية – برازيلية - هندية جنوب أفريقية. ولا يسع القمة هذه تجاوز البيان الصادر حول ليبيا. فهل تستطيع الصين أن تخالف رغبات الدول النامية ؟ وقد تخفف الدول الثلاث الضغط الأميركي عن الصين، وتحيد مسألة حظر الطيران فوق ليبيا، عوض إبقائها حكراً على العلاقات الثنائية الصينية - الأميركية . فالصين تعاونت مع قرار مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي. وكانت خطوتها غير معتادة في التصويت على قرار يشرّع تدخل دولي في شأن بلد مستقل صاحب سيادة. ولم يخف المعلقون الغربيون دهشتهم من تغير الموقف الصيني. وهم إلى وقت قريب كانوا يدعون بكين إلى انتهاج سياسة مسؤولة تناسب مكانتها دولة بارزة في العالم وإلى التعاون مع القوى الغربية لصياغة النظام العالمي، على ما تفعل روسيا. ولا ريب في أن الصين مطالبة بقبول منطقة حظر جوي. ولا مؤشر إلى أن الصين ستغير موقفها المعارض. وإذا فعلت، خالفت إرادة الدول النامية. وعسير على بكين التستر على موقفها هذا بالواقعية، وهي صنو التخلي عن المبادئ. وموقف الدول الثلاث هذا يقّيد تأييد الصين منطقة الحظر. * السفير الهندي السابق، عن «ايجيا تايمز» الهونكونغي، 10/3/2011، اعداد جمال اسماعيل