أخفق البرلمان الأردني الحديث التشكل في أول اختبار عملي، فما زال عاجزاً عن تسمية رئيس حكومة «توافقي» لمؤسسة الديوان الملكي، التي كلفها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني منذ 3 أسابيع وللمرة الأولى مهمة استشارة النواب في هوية الرئيس المكلف، لتكون هذه الاستشارة «بداية على طريق تشكل الحكومات البرلمانية». ولا تلزم التعديلات الدستورية التي صادق عليها الملك في آب (أغسطس) 2011 ونقلت بعض سلطاته إلى البرلمان، استشارة النواب في ترشيح الرئيس أو فريقه الوزاري. وكان الملك أقال 5 حكومات خلال العامين الماضيين وحلّ البرلمان الفائت قبل انتهاء مدّته. ويبدو أن ضعف التجربة عند النواب الجدد وغالبيتهم من الموالين والمحسوبين على كيانات عشائرية، أدى إلى ابتعادهم عن ترشيح أسماء من خارج «السيستم» الرسمي لرئاسة الحكومة. فيما اكتفى البعض بتدوين مواصفات «فضفاضة» لشخص الرئيس المنتظر، ظهر أنها تتبدل كل ساعة. وما من شك في أن المشاورات التي تجرى ببطء شديد ومن دون أي نتائج وفق محللين ومعلقين سياسيين، اصطدمت ب «هشاشة» الكتل النيابية وعدم تشكلها على أسس سياسية، أضف إلى ذلك عجزها عن التعامل مع اللحظة التاريخية، ربما لخشيتها تحمل وزر المرحلة المقبلة التي يتوقع أن تشهد قرارات اقتصادية صعبة، تنفيذاً لاتفاق سابق مع صندوق النقد الدولي، وأهمها رفع أسعار الكهرباء. وفي غمرة الولادة المتعسرة لإعلان الحكومة الجديدة، يقر مسؤولون أردنيون وقريبون من صنع القرار بالآثار السلبية المترتبة على إجراء الانتخابات، وفق قانون يهمش الأحزاب والكيانات السياسية إلى جانب المدن الكبرى، التي تستمد جماعات المعارضة وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين» التأييد منها، لمصلحة محافظات عشائرية يشكل غالبية سكانها دعامة أساسية للنظام. وكان هذا القانون دفع غالبية المعارضة و «الإخوان» إلى مقاطعة الانتخابات الأخيرة، كما دفع العاهل الأردني نفسه إلى مطالبة النواب بتعديله عند أول جلسة. لكن القانون ذاته أوصل إلى سدة البرلمان وعلى نحو غامض قرابة 15 نائباً ممن يمثلون «لحى بديلة» عن «لحى الإخوان»، في إشارة إلى ممثلي حزب «الوسط الإسلامي». وهو خليط يمثل بعض المنشقين عن الجماعة وشخصيات قريبة من السلطة، عرف عنه عدم القدرة على الحشد. وقال الملك مخاطباً النواب عند زيارته لهم تحت القبة قبل أيام إن «الانتخابات أجريت على أساس قانون جديد، لكنه لم يكن مثالياً (...) وإننا ندعو إلى مراجعته ليحظى بالتوافق، ويعزز عدالة التمثيل، ويمكن الأحزاب من التنافس بعدالة، ويرسخ تجربة الحكومات البرلمانية». وثمة من يرى أن الحل الأنسب للخروج من «مأزق» التكليف الرئاسي، هو أن يمارس الملك حقه ويختار من يشاء لرئاسة الحكومة، على أن يشارك النواب في اختيار الطاقم الوزاري. لكن مثل هذا الحل لن يغير من النتيجة في شيء. وهي نتيجة قائمة على صعوبة تشكل حكومات منتخبة في ظل برلمان يفتقر الى كتل موحدة على أساس برامجي، على ما يقول سياسيون في المعارضة والمولاة. وخلال الأسابيع الماضية خاطب الملك الشعب عبر أوراق مطولة، وقال القصر الملكي إنها أوراق ل «النقاش» ما بين الحاكم والرعية. وصدرت آخر ورقة في هذا الخصوص أول من أمس، واستخدم فيها الملك عبارات نادرة لم يسبق أن استخدمها من قبل، من مثيل «الملكية الدستورية»، التي من شأنها المس الصريح بصلاحيات القصر. وهو ما كانت تدعو إليه بعض تيارات المعارضة خصوصاً الإسلامية. وأكد الملك ضرورة تطور هذه الملكية «بدافع ذاتي» منه، وهي تلميحات سياسية جريئة تبرز للمرة الأولى في ثنايا خطاب علني لمؤسسة القصر الأردنية. وقد انحسرت الاحتجاجات الضخمة التي هزت عمان خلال الأشهر الماضية بصورة كبيرة، لكن هتافات هدمت الجدران المحرمة ما زالت تُسمع في مناطق الريف التي تعاني الفقر والتهميش. والمفارقة أن هذه المناطق التي تحتضن غالبية عشائرية في بلد يعتبر نصف سكانه من أصول فلسطينية، هي ذاتها التي أفرزت برلماناً يغلب عليه الولاء للسلطة. ويعزى انحسار الاحتجاجات في العاصمة الأردنية وغالبية المحافظات إلى انشغال «الإخوان» بأنفسهم هذه المرة، في إشارة إلى الخلافات الداخلية التي تعصف بالجماعة الأكثر حشداً وتنظيماً في البلاد. ويحتدم الجدال داخل أروقة الفرع الأردني للإخوان، والذي ظل الحلقة الأقوى في الشارع طيلة عامي الربيع العربي، إثر مبادرة ل «الإصلاح»، سمّيت «مبادرة زمزم»، أعلنتها شخصيات محسوبة على التيار المعتدل (الحمائم) والمعروف باقترابه من السلطة. ووضع مهندسو المبادرة سياسات عامة تمهيداً لإقرار نظام داخلي خلال 4 شهور حيث تبنوا المشاركة في الحكومات، إلى جانب الحفاظ على ما سمّوه «هيبة الدولة». ووصفت المبادرة من جهة قيادات محسوبة على التيار المتشدد (الصقور) الممسك بزمام الجماعة بأنها «مشبوهة هدفها شق الصف الإخواني بالتعاون مع جهات رسمية»، وهو ما نفاه القيادي الحمائمي ارحيل الغرايبة، مؤكداً أن هدفها «تصحيح مسار الجماعة لا الخروج عنها». فيما برر الرجل الثاني في الجماعة زكي بني ارشيد «الانسحاب التكتيكي» ل «الإخوان» من الشارع، بالسعي إلى «منح فرصة لمزيد من التحركات الشعبية العفوية ضد القرارات الجائرة». وعلى الجبهة الأخرى، أكدت الدولة أنها نجحت في كسب جولة «الإصلاح» مع «الإخوان»، بعدما «أنجزت تعديلات دستورية مهمة، وأجرت انتخابات نزيهة، وحشدت نحو 56 في المئة ممن سجلوا للانتخابات». وقال الوزير سميح المعايطة الناطق باسم الحكومة: «الملك أكد غير مرة استمرار الإصلاح حتى ما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، بمعنى أن الانتخابات تشكل مدخلاً لمزيد من الإصلاحات الشاملة». وتحدث المعايطة غير مرة عما سمّاه «سعي الإخوان إلى تغيير بنية النظام»، ما من شأنه أن يقوض صلاحيات الملك، وهي صلاحيات يرى هذا الأخير أن تقويضها «يتعارض مع الغالبية الساحقة للأردنيين». لكن ثمة تقارير وتوصيات داخلية لعدد من السفارات الغربية الهامة في عمان، ترى أن المملكة «لم تقدم حتى اللحظة أي إصلاحات جذرية بما يحقق تغيير آلية الحكم، لكنها تجاوزت الضائقة السياسية موقتاً، بجملة من الإصلاحات الثانوية». وقال ديبلوماسي غربي ل «الحياة» إن «الأردن يحتاج إلى إصلاحات أكثر عمقاً خلال الفترة المقبلة. لا أحد يتنبأ بحركة الشارع». وقال المحلل السياسي فهد الخيطان: «النظام تجاوز الأزمة السياسية، لأنه نجح في احتواء المعارضة وتقدم خطوة نحو الأمام بإنجازه الانتخابات... لكن مفعول هذا الانجاز لن يدوم طويلاً». وأضاف: «نجاح النظام السياسي مرهون بإنجاز كامل عملية الإصلاح. لا يمكننا الاستمرار ببرلمان رخو لا يمتلك غالبية مستقرة. مطلوب حالياً أن تعزز استقلالية المؤسسة التشريعية، وتكلف حكومة تقودها شخصية تحظى باحترام وطني عام». وفي إربد (شمال) ثاني أكبر مدن الأردن، ما زالت الشوارع تشهد نزول مجاميع غاضبة في الاحتجاجات ضد رفع الأسعار، على رغم أن هذه المدينة التي تتفرع عنها بلدات وقرى فقيرة وتعتمد على الزراعة، تضم كثافة سكانية من المنخرطين في السلك العسكري وجهازي الأمن والشرطة. ويقول أحمد الشرع (29 سنة): «الناس مش لا تجد ما تأكل، دعونا نحتج ربما تغير الوضع». وفي مطعم لبيع الحمص والفول وأقراص الفلافل الطازجة الزهيدة الثمن، قال رافع العتوم (43 سنة): «الوضع الاقتصادي سيئ للغاية والالتزامات كثيرة، راتبي الشهري لا يتعدى 200 دينار (280 دولاراً) وعندي 5 أنفار وساكن في الإيجار (...)». وعلى رغم أن غالبية السكان في هذه المدينة يشكون الوضع الاقتصادي، يقول محمد المومني (28 سنة) وهو أحد قادة الاحتجاجات: «العامل الاقتصادي ليس المحرك الوحيد، فالشعور بالتهميش السياسي لا يقل أهمية». وأدى تدفق 420 ألف لاجئ سوري وفق المنسق العام لشؤون اللاجئين أنمار الحمود، إلى «تفاقم» الأزمة الاقتصادية في بلد يقطنه 7 ملايين نسمة ولا يملك أي ثروة نفطية ويعتمد على المساعدات الخارجية. ويؤكد الأردن الذي يتقاسم مع سورية حدوداً يزيد طولها على 370 كيلومتراً، إنه يتوقع أن يرتفع عدد اللاجئين بنهاية العام 2013 إلى نحو 700 ألف في حال استمر النزاع الدائر عند جارته الشمالية منذ آذار (مارس) 2011.