كنا صغاراً في المدرسة في بيروت لا نعرف من هو المسلم ومن هو المسيحي، إن لم يكن اسم الطالب محمداً أو حنا. والآن لا يكفي أن نعرف المسلم من المسيحي، بل يجب أن نعرف السنّي من الشيعي. ما عانى منه لبنان بعد انفجار القتال سنة 1975 وفي العقدين التاليين أصاب العراق بعده، وبما يعكس حجم البلد بالمقارنة مع لبنان، فمع المقاومة للاحتلال الأميركي كان هناك ارهاب مجرم هدفه اذكاء نار فتنة طائفية، وقد انحسر وعاد الآن بشكل مخيف، فلا أقول سوى ربنا يستر. كنت أسمع صغيراً عبارة «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها» وهي عادت إليّ مع رسالة من الأخ مصطفى السحلي في جدة تلقيتها عبر البريد الالكتروني للزميل جميل الذيابي. الأخ مصطفى يقول في رسالته ان صراع الحضارات قد يتجاوز الغرب والمسلمين الى ما هو أخطر «وينذر بقنبلة داخل العرب بين المسيحية والإسلام، فقناة الحياة المسيحية بدأت البث بالهجوم على نبي الرحمة محمد (صلّى الله عليه وسلم)، والهجوم على مدار اليوم...» وهو يخشى أن تكون هناك نيّة مبيتة للفتنة، وأن هناك ممولاً لهذه الفتنة في مخطط دُبِّر بليل. أقرّ بأنني لم أكن أعرف شيئاً عن المحطة المذكورة، حتى اسمها، وقد حاولت أن أبحث عنها عبر ما عندي من شبكات أرضية وفضائية ولم أجدها، فهناك 999 محطة والبحث عن احداها مثل طلب ابرة في كومة قش. والهجوم على دين آخر مرفوض اطلاقاً ويرتد على صاحبه ويدينه. والمطلوب من أبناء طائفته قبل غيرهم أن يتبرأوا منه وينكروا كلامه، لأن الطرف المستهدف بالهجوم لن يسكت، فتدفع الطائفة كلها ثمن تطرف قلّة مريضة. ثم هناك مسؤولية البلد الذي تبث منه القناة. تلقيت رسالة الأخ مصطفى في يوم من الأسبوع الماضي، وفي اليوم التالي تلقيت رسالة الكترونية من الأخت منى النشاشيبي، وأسرتها من أعمدة الأرستقراطية الفلسطينية السنيّة في القدس، حدثتني فيها عن برنامج «صلاة الأحد» الذي بثه الراديو الرابع في هيئة الإذاعة البريطانية في التاسع من هذا الشهر وبقي على الموقع الإلكتروني ل «بي بي سي» حتى الأحد الماضي، فقد كان عن التعايش بين المسلمين والمسيحيين في سورية، وتابعه الراصد الإعلامي العربي ولفت الأنظار اليه. مقدم البرنامج مارتن بالمر، وهو لاهوتي بريطاني، تنقل بين حلب ودمشق، وبدا مذهولاً بروعة التاريخ من ناحية، وبالعلاقة الأخوية والود بين المسلمين والمسيحيين في سورية حيث ترى نساء محجبات في الكنائس خلال حفلات زفاف صديقاتهن المسيحيات. وهو تحدث عن كاتدرائية الأرثوذكس والكاتدرائية الكاثوليكية في حلب، وكنائس الكلدان والأرمن، ولاحظ أن مسجداً يقوم قرب كنيسة، وان الطقوس الكنسية تقام بالسريانية أو الآرامية، وهذه لغة المسيح الذي لم يتكلم العبرية. وفي قلعة حلب تحدث مقدم البرنامج عن مزار القديس جريس قاهر التنين في قصة/ خرافة مشهورة، وقال انه هو نفسه «الخضر» الذي يكرمه المسلمون (كان أول زميل لي في وكالة رويترز في بيروت خضر نصار، واعتقدت سنوات انه مسلم بسبب اسمه، ثم اكتشفت انه فلسطيني مسيحي). في دمشق تتبّع البرنامج خطوات القديس بولس وفراره من على سور المدينة، وزار المسجد الأموي الذي كان معبداً رومانياً لجوبيتر وتحول كنيسة، وهو الآن من أشهر مساجد الإسلام. وكان جميلاً أن يضم برنامج ديني مسيحي حديثاً مع الشيخ أحمد حسّون، مفتي سورية، وسمعت كلامه مترجماً الى الانكليزية، وكان رائعاً في عرضه وهو يقول ان الله تعالى اختار أنبياءه من منطقتنا لأن المؤمنين بالله هم على دين واحد ولكن باجتهادات أو شروح مختلفة، وهم إذا عادوا الى أصول الدين يكتشفون اننا جميعاً واحد أمام الله. وقال الشيخ حسون إنه زار دولاً أوروبية عدة، مثل المانيا وفرنسا، ونصح المسلمين فيها بأن يندمجوا في مجتمعاتهم المحلية، وألا يحملوا معهم المشاكل التي فروا منها في بلادهم. في سورية كان أول رئيس وزراء بعد الاستقلال فارس الخوري، وهو أصلاً من بلدة الكفير في لبنان الآن. وأختتم بشعر قاله إيليا أبو ماضي قبل مئة سنة أو نحوها عندما كان البلدان واحداً. ما كان أحوج سورية الى بطل/ يرد بالسيف عنها كل مفترسِ ويجعل الحب دين القاطنين بها/ دين يقرّب بين «البيت» والقدسِ حتى أرى ضارب الناقوس يطربه/ صوت الأذين وهذا رنّة الجرس بعضنا يطربه الآن القتل، قاتله الله.