نددت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بفرض حظر تجول ليلي على المواطنين السوريين في لبنان في عدد من المناطق، ورأت أنه يخالف القانون ويساهم في إيجاد مناخ «يشجع على التمييز وعلى ردود فعل سلبية» ضدهم. وأكد شهود عيان لوكالة «فرانس برس» أن تطبيق فرض التجول يتم غالباً من دون أي أسس قانونية، ويستخدم فيه عناصر من الشرطة المحلية الضرب والإهانات. وقالت المنظمة إنها «أحصت 45 بلدية على الأقل في مناطق مختلفة من لبنان تفرض حظر تجول» على السوريين اعتباراً من ساعة معينة مساء. وأضافت أن «حظر التجول يضع قيوداً على تنقلات اللاجئين، ويساهم في إيجاد مناخ من التمييز ومن ردود الفعل السلبية ضدهم»، مشيرة إلى أن مثل هذا الفرض «ينتهك قوانين حقوق الإنسان الدولية، ويبدو غير شرعي في ظل القانون اللبناني». وأشارت «هيومن رايتس ووتش» إلى أن فرض حظر التجول انتشر خصوصاً بعد المعركة التي وقعت في بلدة عرسال (شرق) الحدودية مع سورية في آب (أغسطس) الماضي بين الجيش اللبناني ومسلحين قدموا من سورية ومن مخيمات للاجئين داخل البلدة، وتسببت بمقتل عشرين عسكرياً و16 مدنياً، وخطف حوالى ثلاثين عنصراً من الجيش وقوى الأمن الداخلي لا يزالون محتجزين لدى «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). إلا أن بلديات عدة كانت بدأت تنفيذ حظر التجول على السوريين منذ حوالى سنة، مبررة ذلك بحصول تجاوزات أمنية كثيرة مثل السرقات وجرائم القتل التي يقوم بها مواطنون سوريون. وذكر تقرير «هيومن رايتس ووتش» أن شرطة البلدية أو فرقاً من المدنيين المسلحين الذين شكلتهم البلديات يقومون بتنفيذ الحظر، ويجبرون السوريين ضمن نطاق بلدتهم أو مدينتهم على ملازمة منازلهم. ولا يدخل هذا أصلاً ضمن صلاحيات الشرطة البلدية وفق القانون اللبناني. وروت لارا (25 عاماً، موظفة) لوكالة «فرانس برس» أنها «أصيبت بصدمة» قبل أيام عندما شاهدت شرطيين بلديين في جونية (حوالى عشرين كيلومتراً شمال بيروت) ينهالان ضرباً على مواطن سوري من دون أية مقدمات بعد أن صادفاه في الشارع قرابة الساعة التاسعة مساء». وقالت: «اعترضاه وقالا له: إلى أين تذهب، تذهب إلى السهرة؟ ثم بدآ يضربانه». وعندما سمع الشرطيان صراخ الشابة، توقفا وطلبا من الشاب السوري العودة إلى منزله على الفور. وتابعت: «الأسوأ أنني عندما سألت كيف عرفا أنه سوري، قيل لي من ملابسه وفقره»، مضيفة: «هذه قمة العنصرية». وروى ريشار الشويفاتي (42 عاماً، مقاول) أن عاملاً سورياً مياوماً معه تعرض للضرب أيضاً بينما كان ينقل حاجياته ليلاً إلى منزل صديق له في منطقة في شمال لبنان. وأضاف: «كان يحمل معه حقيبة صغيرة عندما اعترضته الشرطة البلدية، وقام أحد عناصرها بفتح الحقيبة وبعثرة محتوياتها على الأرض، ثم طلبت منه أن يحمل أغراضه ويعود من حيث أتى». وزاد: «في اليوم التالي، اصطحبته في سيارتي، ليتمكن من نقل أغراضه». ونقل تقرير «هيومن رايتس ووتش» أيضاً عن لاجئ سوري قوله إن الشرطة البلدية في منطقة الزلقا (شمال بيروت) اعترضته في شهر آب أثناء توجهه إلى صيدلية لشراء دواء لطفله. «قالوا لي: أنت سوري، هناك حظر تجول على السوريين». وترتفع في مناطق عدة من لبنان لافتات في وسط الشوارع تحمل إجمالاً العبارة الآتية: «ممنوع تجول الأجانب بعد الساعة الثامنة مساء». ويدرك الجميع أن المقصود بالأجانب السوريون، إذ يتمتع كل أصحاب الجنسيات الأخرى بحرية التنقل من دون أية قيود. ويضاف إلى اللافتة توقيع البلدية، وأحيانا عبارة «تحت طائلة المسؤولية». كما تطلب لافتات أخرى من العمال السوريين أو الأجانب «عدم التجمع» بعد ساعة معينة. وقال نائب مدير «هيومن رايتس ووتش» في منطقة الشرق الأوسط نديم حوري في التقرير: «لم تقدم السلطات اللبنانية أي إثبات على أن حظر التجول على اللاجئين السوريين ضروري لتعزيز الأمن في لبنان»، مضيفاً: «قرارات حظر التجول هذه تساهم في زيادة الجو العدائي ضد اللاجئين السوريين في لبنان». ودعا حوري البلديات إلى «وقف فرض هذا الحظر الذي لا سلطة لها في القيام به، وإلى وضع حد لممارسات تغذي مناخ التمييز والأفكار المسبقة ضد السوريين». ويستضيف لبنان 1,2 مليون لاجئ سوري، وفق أرقام الأممالمتحدة، يعيش معظمهم في ظروف بائسة للغاية ويتعرضون لمضايقات عدة من لبنانيين يشكون من منافسة اليد العاملة السورية لهم ومن العبء الاقتصادي والاجتماعي الذي يشكله اللاجئون في البلد الصغير ذي الموارد المحدودة وذي التركيبة السياسية والطائفية الهشّة. على موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي على الإنترنت، انطلقت منذ أشهر حملات عدة ترفض حظر التجول المفروض على السوريين، وغيرها من الممارسات العدائية ضدهم. ومن هذه الحملات صفحة «الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية» التي تنشر صورة لافتة علقت قبل فترة على أحد جسور العاصمة وفيها: «خيي السوري أهلاً فيك في لبنان». وأقدم لبنانيون على نشر صورهم وهم يحملون شعارات مختلفة منددة بسوء معاملة السوريين على الصفحة، وبين هذه الشعارات «لا للعنصرية، لا للكراهية، أوقفوا قرارات حظر التجول»، و «العنصري لا ينتمي إلى بلد ما، سورية وأهلها بالقلب».