يصل إلى القاهرة اليوم وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إطار زيارته الأولى للمنطقة، وسط احتدام الصراع السياسي بين الحكم والمعارضة التي كانت رفضت دعوة واشنطن للتراجع عن مقاطعة الانتخابات التشريعية المقررة في 22 الشهر المقبل، واعتبرتها ضغوطاً وتدخلات. ويعقد كيري لقاءات مع كبار المسؤولين وأحزاب سياسية ورجال أعمال يتوقع أن يُخيّم عليها هذا الصراع. ويستهل كيري زيارته بلقاء نظيره المصري محمد كامل عمرو قبل أن يجتمع مع الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي. وسيلتقي بعد ذلك عدداً من رجال الأعمال ويعقد جلسة مع الأحزاب السياسية أعلن القياديان في «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة محمد البرادعي وحمدين صباحي مقاطعتها كما سيغيب عنها القيادي في الجبهة عمرو موسى، فيما أعلنت «حركة 6 أبريل» أنها لم تُدع إلى حضورها، وشددت في بيان على «رفض التدخل الأجنبي في الشأن السياسي المصري بأي شكل، وأنها تدعم استقلال القرار الوطني، سواء كان الرسمي أو المعارض». ومن المقرر أن يستقبل الرئيس محمد مرسي صباح غد الوزير الأميركي في حضور مساعده للشؤون السياسية عصام الحداد، قبل أن يذهب كيري إلى مقر وزارة الدفاع للقاء الوزير عبدالفتاح السيسي، ويختتم الزيارة بلقاء مجموعة من ممثلي منظمات المجتمع المدني. وأكد صباحي أنه والبرادعي اعتذرا عن دعوة للقاء كيري. وقال: «قرارنا من رأسنا ونشكر أي اهتمام خارجي بالشأن المصري، وعلى السيد كيري والجميع أن يعلموا أن مقاطعة الانتخابات موقف استثنائي لا مبدأي واضطررنا إليه». ودعا الوزير إلى أن يوجه خطابه إلى «السلطة الجائرة المتسلطة في ظل دستور مشوه وشباب يُضرب بالرصاص». وطالب الولاياتالمتحدة بأن تكون «متسقة مع خطاباتها التي تنادي بالديموقراطية، ويجب أن توجه خطابها إلى النظام المستبد وليس إلى المعارضة». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن أحد مساعدي عمرو موسى أن الأخير لن يشارك في الاجتماع مع كيري. وقال: «نرى أنه لا يمكن أن نشارك في الانتخابات، وهذا قرار جبهة الإنقاذ الوطني التي تعد وحدتها أولويتنا الأولى». لكنه أضاف أن موسى قد يرسل ممثلاً عنه إلى الاجتماع. ويتزامن وصول كيري إلى القاهرة مع مؤتمر تعقده اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات التشريعية اليوم لإعلان الجدول الزمني للعملية الانتخابية، ويُتوقع أن تحدد النصف الثاني من الشهر الجاري لفتح باب الترشح على المقاعد البالغ عددها 546، قبل أن تنطلق الدعاية الانتخابية مطلع نيسان (أبريل) المقبل. ومن المقرر أن تعلن اللجنة ضوابط العملية الانتخابية من تحديد سقف للدعاية، والأوراق المطلوبة للترشح، وعدد اللجان التي سيُجرى فيها الاقتراع، وآلية متابعة المنظمات غير الرسمية ووسائل الإعلام. يأتي ذلك في وقت بدا واضحاً أن جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة ستستخدم سلاح الفتاوى الدينية لوأد تحركات قوى المعارضة لحض الشارع على مقاطعة الاستحقاق، إذ أبرزت وسائل إعلام تابعة ل «الإخوان» دعوات أطلقها الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي للمشاركة في الانتخابات حتى «يستقيم أمر مصر». ورأى القرضاوي أن «على المصريين أن يعرفوا أن الخير كل الخير في أن يذهبوا جميعاً ليقولوا كلمتهم، وينتخبوا من يرون أنه أصلح الناس». وأفتى رئيس «الجمعية الشرعية»، وهي كيان سلفي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر محمد مختار المهدي بأن العصيان المدني «يضعف الأمة كي ينال منها أعداؤها»، مؤكداً في خطبته على منبر الجامع الأزهر أن «الحل لما نعانيه هو العمل من أجل الصالح العام، والصبر على الحاجات الخاصة لفترة ما، لأن أعداء الأمة يستخدمون أبناءها الذين يحبونها لا محالة ويوجهونهم إلى ما ليس هو خير ببث اليأس في نفوسهم عن طريق الإعلام». في غضون ذلك، أرجأت أمس انتخابات مجلس إدارة نقابة الصحافيين أسبوعين، بعدما لم يكتمل النصاب القانوني للجمعية العمومية لعدم حضور أكثر من 50 في المئة من إجمالي عدد أعضائها للتصويت في انتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب وستة أعضاء في المجلس. وسيعاد إجراء الانتخابات الجمعة 15 الشهر الجاري، على أن تنخفض عتبة تمرير الاقتراع إلى ربع الأعضاء. وكانت نقابة الصحافيين شهدت اشتباكات بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه الذين اتهموا مرسي وقادة جماعة «الإخوان» باغتيال زميلهم الصحافي الحسيني أبو ضيف أمام قصر الاتحادية الرئاسي، وجمع عدد من الصحافيين توقيعات من أعضاء الجمعية العمومية لتقديم بلاغ للنائب العام ضد الرئيس ونائب المرشد العام لجماعة «الإخوان» خيرت الشاطر وساسة وأحد صحافيي الجماعة يتهمونهم فيه باغتيال أبو ضيف والتحريض على اغتياله. وتوفي أبو ضيف متأثراً بجروح جرّاء إصابته بطلقتين إحداهما في الجمجمة والثانية في الصدر، خلال هجوم شنّه منتمون إلى «الإخوان» على معتصمين يطالبون بإسقاط النظام أمام قصر الاتحادية الرئاسي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. بديع: لا نقبل الوقيعة مع الجيش إلى ذلك، زار المرشد العام لجماعة «الإخوان» محمد بديع أمس محافظة الإسماعيلية في أول زيارة لقيادي من الجماعة عقب الاحتجاجات الدامية التي شهدتها مدن القناة أواخر الشهر الماضي. وسعى بديع في كلمة وجهها إلى أنصاره إلى نفي التكهنات بخلافات بين الجيش وجماعته، مشدداً على أن «الإخوان لا تقبل الوقيعة بينها وبين الجيش». وأكد أن الجيش «أكثر مؤسسة رسمية منظمة في البلاد، وجماعة الإخوان كأكبر مؤسسة شعبية منظمة في الشارع حريصة كل الحرص على العلاقات الطيبة معه». وتأتي التصريحات عقب تسريبات انتشرت على نطاق واسع عن خلافات بين المؤسسة العسكرية والحكم، على خلفية إدارة الرئيس للأزمة السياسية وتنامي الاحتجاجات في مدن القناة. كما جاءت بعد يوم من تأكيد وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي أن الجيش «يضع مصر وأمنها القومي فوق كل اعتبار»، ما اعتبر رسالة ضمنية إلى الحكم. لكن مرشد «الإخوان» شدد خلال لقاء مع مسؤولي الجماعة في الإسماعيلية على أن جماعته «تكن كل الحب والتقدير والاحترام للمؤسسة العسكرية المصرية ولا تقبل أن يوقع بينهما أحد»، مؤكداً «الحرص كل الحرص على العلاقات الطيبة مع الجيش وعلى عدم المساس به وبرموزه». وتطرق بديع إلى الأحداث التي شهدتها مدن القناة، مؤكداً حق مواطني مدن القناة «في المطالبة بتحقيق عادل يكشف حقيقة الأحداث التي وقعت في بورسعيد والمتسبب فيها»، لكنه اعتبر أن «العنف ظاهرة دخيلة على المجتمع المصري المسالم والمحب لبعضه». ونفى سعي جماعته إلى الاستئثار بالسلطة، قائلاً إن «رسالة الإخوان تهدف إلى إصلاح الفرد والمجتمع وجمع الحسنات وليس جمع الأصوات، انطلاقاً من كوننا دعاة إلى الله في المقام الأول». وأضاف أن «السمع والطاعة عند الإخوان المسلمين مبصرة وليست عمياء كما يروج البعض»، مؤكداً أن «النهضة قادمة لا محالة بشرط العمل الصادق والنيات الخالصة والوحدة بين أطياف الشعب».