مثّلت انتخابات مجلس الشعب المصري (الغرفة الأولى في البرلمان) أول اختبار جدي للقيادة الجديدة لجماعة «الإخوان المسلمين» التي تولت المسؤولية مع مطلع العام الجديد بعد جدل وخلافات داخلية تمخضت عن تولي الدكتور محمد بديع منصب المرشد وسيطرة التيار المحافظ على غالبية مقاعد مكتب الإرشاد. ورأى مراقبون أن القيادة الجديدة خسرت هذا الاختبار بسبب «عدم وجود رؤية استراتيجية» للتعامل مع متغيّرات إقليمية ودولية ومحلية «لم تحسن الجماعة رصدها»، فضلاً عن «تضارب قراراتها». إلا أن الجماعة، ترد بأنها «خسرت البرلمان لكنها كسبت مزيداً من الصدقية والتعاون مع القوى المعارضة». ولم يفز أيّ من مرشحي جماعة «الإخوان» في الجولة الأولى للانتخابات، في حين صعد 27 فقط من مرشحيها إلى الجولة الثانية التي انسحبت منها الجماعة التي كانت تسيطر على نحو 20 في المئة من مقاعد البرلمان السابق. وبرزت خلافات داخلية في الجماعة على خلفية قرار المشاركة في الانتخابات، وكذلك قرار الانسحاب، ما دعا إلى إطلاق دعوات لإعادة ترتيب أوراق الجماعة ومراجعة سياستها في المرحلة المقبلة. ودعا نشطاء معارضون المصريين إلى اعتبار يوم غد الأحد «يوماً للغضب» والتظاهر احتجاجاً على ما تعتبره المعارضة «تزويراً» للانتخابات البرلمانية الأخيرة. وقالت «الحركة المصرية من أجل التغيير» («كفاية»)، في بيان أمس، إنها تدعو إلى ما وصفته ب «غضبة جماهيرية واسعة» الأحد تحت شعار «باطل» أمام دار القضاء العالي في وسط القاهرة، وأشارت إلى «مشاركة واسعة» متوقعة من كل القوى السياسية المعارضة «احتجاجاً على تزوير الانتخابات». وأشار القيادي البارز في «كفاية» عضو الجميعة الوطنية للتغيير جورج إسحاق إلى أن التظاهرة الاحتجاجية سيشارك فيها عدد من ممثلي أحزاب الوفد والعربي الناصري والعمل (المجمد) والكرامة (تحت التأسيس)، إضافة إلى الجمعية الوطنية للتغيير التي اطلقها الدكتور محمد البرادعي في شباط (فبراير) الماضي، وحركة «شباب 6 أبريل». وقال إسحاق: «نرغب في توجيه رسالة إلى النظام مفادها أن كل القوى السياسية ترفض هذا البرلمان الذي جاء بالتزوير»، مشيراً إلى استمرار المعارضة في نشاطها حتى إسقاط البرلمان بتشكيلته الجديدة. وعلى صعيد تداعيات نتائج انتخابات مجلس الشعب على جماعة «الإخوان»، قال نائب المرشد العام السابق للجماعة الدكتور محمد حبيب ل «الحياة» إن ظروف إجراء الانتخابات في عامي 2005 و 2010 اختلفت في «شكل جذري»، إذ كانت هناك ضغوط أميركية ودولية عام 2005 على النظام المصري في اتجاه منح قوى المعارضة ومنها القوى الإسلامية مزيداً من الحرية و «نتيجة لهذه الضغوط استجاب النظام وكان هناك قبول وسماح بمشاركة هذه القوى في النظام السياسي، وحين شعرت الجماهير بهذا السماح انتابها نوع من الطمأنينة فخرجت عن بكرة أبيها لتأييد الجماعة، فضلاً عن أنه كان هناك إشراف قضائي كامل على الانتخابات». وتابع: «إلا أن هذا المناخ تغيّر كلياً منذ عام 2008 وبدا أن هناك رغبة في الاستئثار بالسلطة، وعادت حالة القمع لتسيطر على المشهد السياسي. ومن ثم ما حدث في انتخابات برلمان 2010 لم يكن مفاجئاً بل كان أمراً متوقعاً». ويتفق نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في «الأهرام» الدكتور نبيل عبدالفتاح مع حبيب في شأن تغيّر السياق الدولي والاقليمي بين انتخابات 2005 و2010 «وهو أمر لم تحسن القيادة الجديدة للجماعة التعامل معه». وقال عبدالفتاح إن المعركة الانتخابية الأخيرة «كشفت حالاً من عدم التوازن في حساب قرارات قيادة الإخوان وغياب دراسات استراتيجية عن سياسات الخصم وأساليبه لإدارة المعركة الانتخابية وطبيعة العلاقات التي نسجها مع قوى المعارضة، وهذا الأمر أدى إلى صدور قرارات متضاربة منذ بدء العملية الانتخابية وتحديداً حين أطلق رئيس الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور محمد البرادعي دعوته إلى مقاطعة العملية الانتخابية». وأوضح أن «سلوك الإخوان اتسم بالتذبذب والتناقض، إذ سعى إلى جذب الجمعية إلى عباءة الإخوان تارة وتارة أخرى بعث برسائل للنظام عبر استعراض القوة في مسيرات شعبية لتحسين أوراقها التفاوضية، وأخيراً اتخذت الجماعة قرار المشاركة على رغم المعارضة الشديدة من جانب أصوات داخلها لكنها غائبة عن صناعة القرار». وأضاف: «قرارات الجماعة كانت سمتها التخبط وعدم فهم سياقات جديدة حكمت الساحة السياسية في مصر». لكن الناطق باسم الجماعة رئيس مكتبها السياسي عضو مكتب إرشادها الدكتور عصام العريان يرى في القول إن قيادة الجماعة الجديدة لم تحسن التصرف في ادارة الانتخابات البرلمانية «حكماً متسرعاً، إذ رجعت القيادة الجديدة إلى المؤسسة ولم تأخذ قراراً منفرداً، فمجلس شورى الجماعة هو من قرر المشاركة في المرحلة الأولى والانسحاب من مرحلة الاعادة». وشدد العريان على أن أداء الإخوان كان جيداً على رغم الصعوبات التي واجهت مرشحيها. وأضاف: «إبعاد الإخوان عن البرلمان كان قراراً سياسياً اتخذ على أعلى المستويات بغض النظر عن قيادة الجماعة»، معتبراً أن الجماعة خسرت مقاعد في البرلمان لكنها كسبت مزيداً من الصدقية والتنسيق مع قوى المعارضة. ورأى أن مشاركة الإخوان في الاقتراع «أفسدت المشهد على الحزب الوطني، فلو لم يشارك الإخوان لكان الحزب الحاكم أخرج العملية الانتخابية على أنها تمت بنزاهة وفي شكل ديموقراطي وهو مشهد مغاير للوضع الحالي، إذ وضعت مشاركة الإخوان الحزب الحاكم في مأزق بعدما فضحت ممارساته». لكن نائب المرشد السابق محمد حبيب يرفض هذا الطرح ويقول إن قرار مشاركة الإخوان في الانتخابات يظل قراراً سياسياً «وأعلم أن مسؤولين كثراً في المكاتب الإدارية كانوا يدعمون المقاطعة، ولا لزوم للحديث عن أن المشاركة كان هدفها فضح النظام لأن المشاركة في انتخابات نيابية يكون هدفها الأول والأخير تحقيق مكاسب تؤمّن غطاء سياسياً وقانونياً لممارسة العمل الدعوي، أما المشاركة بهدف فضح ممارسات النظام فلم يكن لها داع». وتساءل حبيب: «ألم تكن تجربة انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) وانتخابات المحليات في الحسبان (لدى قيادة الجماعة) حين اتخذ قرار المشاركة؟». وقال: «حين أتوقع أن هناك تزويراً سيتم وأغامر وأخوض الانتخابات يُفترض أن يكون هدفي الفوز بأكبر عدد من المقاعد لا فضح التزوير»، داعياً المعارضة إلى التوقف عن «البكاء والعويل» ودرس خياراتها بعيداً من الانفعالات والعواطف. وقال: «يجب الجلوس للنقاش لا تبني الأفكار من دون درس. فمثلاً الحديث عن برلمان مواز أو بديل بات مادة لسخرية المصريين». وأضاف: «يجب أن تعلم المعارضة أولاً ماذا تريد وكيف تحققه، يجب أن يكون هناك حديث جاد بعيد عن الأوهام والخيالات، نقاش يأخذ الواقع في الحسبان وكيف تمكن مواجهة هذا الواقع». وفي هذا الإطار، يرى القيادي في الجماعة عصام العريان أن من حسنات الانتخابات أنها أدت إلى مزيد من التنسيق بين قوى المعارضة «فعلى رغم قرار الإخوان بالمشاركة احتفظنا بعلاقات جيدة مع القوى الوطنية والجمعية الوطنية للتغيير التي كانت دعت إلى المقاطعة، وسيكون هناك مزيد من التنسيق مع الدكتور البرادعي وقيادة الجمعية في الفترة المقبلة». غير أن حبيب يرى أن جماعة الإخوان يجب أن تُعيد قراءة المشهد السياسي على ضوء المتغيرت الحاصلة على الساحة الآن. وأوضح: «السلطة لن تسمح بعودة الزخم إلى الجمعية الوطنية للتغيير، والبرادعي الذي كان يستقبل في صالة كبار الزوار في مطار القاهرة بات يواجه تضييقات عند وصوله إلى مصر، والسلطة التي لا تسمح بمجرد الحديث، هل ستقبل بتحركات على الأرض؟ (...) على الجماعة أن تعرف جيداً ماذا تريد وما هي القوى المؤيدة لها بعيداً من الانفعال وردود الفعل». وقال مصدر في جماعة «الإخوان» ل «الحياة» مفضلاً عدم كشف اسمه إن «الجماعة تعيد حالياً ترتيب أوراقها بعد تجربة الانتخابات في اتجاه مزيد من التنسيق مع قوى المعارضة والبحث عن أرضية مشتركة معها تتيح إمكان العمل سوياً في نقاط الاتفاق وتجنيب نقاط الاختلاف والبحث عن سبل بديلة للعمل السياسي بعيداً من البرلمان بعدما فقدت الجماعة هذا الغطاء السياسي المهم. لكن هذا لا يعني اعتزال الجماعة العمل العام. فالتاريخ الحديث لم يسجل أفول نجم الجماعة حتى لو لم تكن ممثلة في البرلمان».