لم يعد أحد، لا في الحكم أو خارج الحكم، يتفوه بعبارة قبيحة مثل «شوية عيال غير جديرين بالقلق»، أو يتجرأ على أن يلصق بهم نعت «متبلد» أو«مغيب» أو»مدلل»! ولم يعد هناك من يشكك ولو على سبيل الدعابة في قدرتهم على الفعل. ولذلك، فإن من وصف نشاط المدونين وتحرك الفايسبوكيين في السنوات القليلة التي سبقت اندلاع ثورة يناير بأنهما «كلام فاضي» سيفكر مرتين قبل أن يعيد كرة الاتهامات السخيفة هذه الأيام وهو يتابع حركة «تويتر» وسكانه من المغردين. الثورة المصرية انطلقت من منصة فايسبوك والتي أهلتها للقيام بدور فتيل الثورة على مدى السنوات الست التي سبقتها، وذلك عبر عشرات المدونات لشباب وشابات نفضوا عن أنفسهم اللامبالاة والانفصال عن قضايا المجتمع، واختاروا أن ينغمسوا بأنفسهم في قلب المجتمع كاشفين عورات الحكم وموثقين مظالمه بالصوت والصورة. هذا الدور الذي لعبه الشباب عبر فايسبوك قبل الثورة وأثناءها انتقل في المرحلة الحالية إلى منصة أخرى تسلمت القيادة العنكبوتية ضمن محاولات إبقاء الثورة على قيد الحياة حيناً وإنعاشها حيناً، واستعادتها أحياناً. إنه «تويتر» الأسرع والأقصر والأذكى! 140 حرفاً أو أقل يكتبونها بأياد متمرسة لا تعرف الارتعاش أو التملق أو الانحياز إلا لما تؤمن به. كلمات مقتضبة، لكنها معبأة بالأحداث، صادمة حيناً وعنيفة أحياناً ومعبرة دائماً. إنها كلمات تعكس مشاعر وفعاليات وتحذيرات وترتيبات لا أول لها أو آخر. وكما حرر الكاتبان ناديا آيدل وأليكس نونز الكتاب الشهير «تغريدات من التحرير» عقب انتهاء الأيام ال 18 للثورة المصرية في 2011، وذلك لتخليد أشهر وأهم التغريدات التي تؤرخ لأيام الثورة من داخل الميدان، فإنه حري الآن أن تستمر السلسلة عبر أجزاء متتالية تبدأ ب «تغريدات من التحرير بعد سرقة الثورة» وثانية «تغريدات من الاتحادية» و»تغريدات من قصر القبة» و»تغريدات من بور سعيد» و»تغريدات من الإسكندرية» وهلم جراً إلى أن يتم الوصول إلى «تغريدات استعادة الثورة»! والواقع أن التغريدات الحالية أعادت إشعال الثورة التي لا مجال فيها لمن ينقرون عشرات المرات على الحرف ليكتب صحيحاً، أويترددون قبل كتابة تغريدة هواها النفاق وقلبها الرياء لتلميع الحاكم وتقديم فروض الطاعة والولاء، ويخصصون الإداريين وأنصاف الكتاب ليكتبوا لهم تغريدات ترويجية لما يقترفونه من آثام بحق الوطن. التغريدات المصرية الشبابية الآن ملك أصحابها وحدهم، حتى وإن دخلت على الخط التغريدي لجان إلكترونية تغريدية مهمتها التشويه والتشكيك، أو كتائب تعلمت كيفية التغريد المضاد بهدف استكمال نجاح الثورة المضادة التي يقودها أسيادهم. تغريدات استمرار شيوع «الكوسة» والتأكيد على رواسخ المحسوبية والمحاباة لمن هم في الحكم على مر التاريخ هي أحدث «غزوات» تويتر. خبر تعيين نجل الرئيس المصري محمد مرسي في وظيفة متميزة تطاير في ثوان ليتحول إلى وقود تغريدي للبحث والتحليل وتفنيد إحدى أبرز مصائب مصر الشبابية، وهي الخلطة السحرية بين البطالة والمحسوبية. صحيح أن تغريدات «الحرية والعدالة» حلقت بأجنحة ملائكية تنقل تغريدة ابن الرئيس القائلة «عمر محمد مرسي: إلى متى يستمر هذا الظلم الواقع على أسرتنا؟ ليخبرني أحدكم كيف يمكنني كمواطن مصري أن أحصل على وظيفة في بلدي الحبيبة مصر؟». وهو تحليق تبعه الكثير من التكبير والتبجيل من شباب الجماعة ومعاونيهم الذين رددوا صدى التغريدة في أرجاء «تويتر». وفي المقابل واجههم بالسؤال العبقري نفسه ملايين الشباب الذين تخرجوا قبل نجل الرئيس بسنوات طويلة وربما يتفوقون عليه قدرة ومهارة لكنهم قابعون في بيوتهم لا يجدون عملاً ولا يعبرون «بالصدفة» في دهاليز إحدى الوزارات لينالوا وظيفة بمجرد أنهم نجحوا في اختبار اللغة الإنكليزية وألموا بمبادئ الكومبيوتر. وسواء كان عبر الكومبيوتر أم عبر الآي باد، أو الهاتف المحمول يغرد المصريون على مدار ساعات النهار والليل. وبعدما كانت التغريدات تشهد فترات ذروة خلال الأحداث الساخنة أو في المصائب الكبرى، باتت ساعات اليوم كلها ساعات ودقائق ذروة. فتلك سمة المرحلة: إلقاء القبض على نشطاء من الشباب، اختفاء معارضين من الشباب، قتل رموز من تكتلات فاعلة من الشباب، سحل، عنف، تنكيل، والقائمة خصبة وثرية وتدفع إلى المزيد من التألق ل «تويتر» وتغريداته. ويظل «تويتر» كغيره من أدوات التواصل يحمل إمكانات الخير والشر، ويقدم خدمات المعرفة الحقيقية الهادفة إلى إيقاظ الضمائر وغيرها من أنواع المعارف التضليلية والتشويهية. ويبقى كذلك وسيلة للحشد، وطريقة للتفريق. «توتير» يقدم كل شيء وأي شيء. في إمكانه أن تؤدي تغريداته إلى ثورة، وفي مقدوره أيضاً أن يجهضها عبر تغريدات مضادة. فلك أن تصدق وتتفاعل مع تغريدة «كلما رأيت وجوهاً جديدة لأهالي الشهداء عند باب المشرحة، أكفر ب «الحرية» وأكره «العدالة» اللتين أصبحتا في أيدي من لا يؤمن بالحرية ولا يطبق العدالة»، ولك أن تميل لمناصرة ودعم تغريدة «الجماعة وحدها القادرة على إعادة حق الشهداء والقصاص لهم لأنها جماعة حق وحياة وعدالة»!