كلف الرئيس التونسي المنصف المرزوقي رسمياً مساء أمس علي العريض، وزير الداخلية مرشح حركة «النهضة» لمنصب رئيس الوزراء، بتشكيل حكومة جديدة في أجل أقصاه أسبوعان، بحسب ما ينص عليه تنظيم السلطات في البلاد. وسارع العريض إلى تأكيد نيته تشكيل حكومته ل «كل التونسيين»، في إشارة إلى انفتاحه على أطراف المعارضة. لكن لم يتضح ما إذا كانت «النهضة» مستعدة للتخلي عن وزارات السيادة مثل الداخلية والعدل والخارجية في الحكومة المقبلة، وإن كانت قد أبدت مرونة في هذا الشأن. وكان مجلس شورى «النهضة» قدّم صباحاً العريض إلى رئيس الجمهورية من أجل تكليفه تشكيل الحكومة بعد استقالة حمادي الجبالي الثلثاء الماضي. وشهد مجلس الشورى نقاشات حادة بين أعضائه حول الشخصية المرشحة لخلافة الجبالي، لكن التنافس انحصر بين العريض ونور الدين البحيري وزير العدل ومحمد بن سالم وزير الفلاحة. وأكد العريض، إثر لقائه رئيس الجمهورية في القصر الرئاسي بقرطاج، أنه سينطلق في مشاورات لتشكيل «حكومة جديدة لكل التونسيين»، مشدداً على أن البلاد في حاجة إلى أن تتظافر جهود الحكومة والرئاسة والأحزاب والمنظمات الوطنية. وعبّر رئيس الوزراء المكلف عن رغبته في أن تلقى حكومته القبول عند المواطنين والأحزاب والمنظمات والإعلام. ودعا الأطراف المختلفة إلى دعم حكومته وأكد أنه سيتشاور مع كل الأطراف السياسية من أجل تشكيلها. في المقابل، لا تزال المعارضة متمسكة بموقفها الذي عبّرت عنه منذ بداية الأزمة الحكومية وهو ضرورة تحييد وزارات السيادة التي تتحكم بها «النهضة» حالياً. وعلى رغم أن رئيس الوزراء المكلف بدا متفائلاً بإمكان نجاحه في تشكيل حكومة جديدة، إلا أن الأمر لا يخلو من صعوبات لعل أهمها رفض «النهضة» التفريط في وزارة الداخلية التي تُعتبر من أهم الوزارات في المرحلة الحالية. لكن تكليف وزير الداخلية بتشكيل الحكومة ربما من شأنه أن يعيد خلط الأوراق من جديد ويجعل «النهضة» تفكّر في التفريط في هذه الوزارة لمصلحة مستقل أو أمني من داخل الوزارة نفسها. واحتاج العريض إلى مدة طوية حتى أحكم السيطرة نسبياً على وزارته. ويُعتقد أن «النهضة» تبدي أيضاً مرونة بخصوص بقية وزارات السيادة وهي العدل والخارجية. ويعتبر تكليف العريض تشكيل الحكومة مواصلة للخطة نفسها التي تتبعها «النهضة» منذ فوزها في الانتخابات الماضية العام 2011، والمتمثلة في تقديم شخصيات «معتدلة» لتولي المناصب العليا في الدولة. ويعتبر العريض، على رغم كل ما تعرّض له من انتقادات أثناء توليه حقيبة الداخلية، من رموز الإعتدال في «النهضة» ومن قياداتها المتنفذة باعتبار أنه قادها في أحلك ظروفها، وكان الوحيد الذي ظل يتحدث رسمياً باسمها داخل تونس في ظل حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي عندما كانت بقية القيادات في المنفى بين باريس ولندن. ويُعتقد بأن تقديم «النهضة» العريض لتشكيل الحكومة الجديدة يهدف إلى ضمان أن تكون الفترة المتبقية من حكمها، قبل الانتخابات المقبلة، أكثر استقراراً سياسياً واجتماعياً، على أساس أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع قوى المعارضة الرئيسية ولديه القدرة على إدارة التفاوض وإجراء تسويات سياسية. وهو تميّز بهذه القدرات خلال عمله مع قوى المعارضة والنقابات بعد خروجه من السجن العام 2006، اذ نشط مع تيارات علمانية ويسارية ضد حكم الرئيس السابق بن علي. وقضى العريض 8 سنوات في السجن الإنفرادي خلال حكم الرئيس المخلوع، وكان قد حُكم عليه بالإعدام خلال حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. وهو من مؤسسي حركة «الاتجاه الإسلامي» في مطلع الثمانينات.